هي: مارية بنت شمعون.
كان أهل الكتاب ينتظرون نبيا " يبعث من جزيرة العرب.
وكان بعض من الرهبان يقيمون داخل مكة وحولها وعلى الجبال التي تربط بينها وبين الشام.
وكانوا يتحسسون أخبار هذا النبي من التجار الذين يخرجون من مكة أو الذين يقصدونها.
ولم تقف دائرة الإنتظار وتتبع الأخبار عند هذا الحيز الذي يحيط بمكة.
وإنما إتسع ليصل إلى بلاد اليمن وبلاد الحبشة ومصر.
وكان بمصر في هذه الآونة مكتبة عامرة بالإسكندرية، وكانت الإسكندرية لا تخلو من الباحثين عن الحقيقة، نظرا " لأن عقيدة ألوهية المسيح عقيدة غير مفهومة لم يقرها المسيح ولا يعلم عنها شيئا "، وإنما هي من إختراع الذين جاؤا من بعده ولم يروه ولم يسمعوا منه، ولما كانت عقيدة التثليث عقيدة مستعصية عن الفهم ولا يفهمها حتى القائمين عليها.
فإن دائرة الخاصة بالإسكندرية بحثت عن الحقيقة كما بحث عنها دائرة الخاصة في الحبشة وعلى رأسهم النجاشي، وكما بحث عنها دائرة الخاصة في خيبر وعلى رأسهم صفية بنت حيى.
وكما إهتم النجاشي ملك الحبشة بالدعوة الخاتمة.
إهتم مقوقس الإسكندرية أيضا " بهذه الدعوة.
ومن الثابت أن مصر كانت ترتبط بالحبشة يومئذ بروابط إقتصادية وسياسية وكانت الكنيسة الحبشية ترتبط بالكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية.
وروي أن مقوقس مصر بعث بهدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن صفاته عندهم إنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، والمتدبر في هدية صاحب الإسكندرية.
يجد أنه بعث للنبي صلى الله عليه وآله بثلاثة من بيت واحد وأسرة واحدة، قال صاحب الإصابة عن أبي صعصعة قال: بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة لينا، وبغلته الدلال وحماره عفير.
ومع ذلك خصي يقال له: مأبور شيخ كبير كان أخا مارية (1) ويمكن الوقوف على أصول هذه الأسرة.
إذا علمنا أن مارية القبطية لم تكن جارية عادية شأنها كشأن غيرها من الجواري.
بمعنى إنها لم تكن من العامة وإنما كانت من الخاصة.
فعن عروة عن عائشة قالت: أهدى ملك بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية من بنات الملوك يقال لها مارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ولا يخفى أن مكتبات القصور لا تخلو من الكتب العتيقة والنادرة التي تختصر الطريق للوصول إلى الحق ولقد قال بعض علماء الآثار: إن عقيدة التوحيد التي إعتنقها (أخناتون) وصلت إليه من بقايا تراث الأسرة الفرعونية الثانية عشرة.
وهذا التراث كان ينتقل من قصر إلى قصر.
وأجمع علماء الآثار على أن نزول إبراهيم عليه السلام إلى مصر كان في عهد الأسرة الثانية عشرة.
ولقد أهدى فرعون مصر إلى إبراهيم عليه السلام
هاجر أم إسماعيل.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية إن هاجر كانت جارية من بنات الملوك.
وبالجملة: كانت هاجر عند المقدمة الأولى من بنات الملوك.
وسارت في القافلة الإبراهيمية.
ثم كانت مارية عند الدعوة الخاتمة من الملوك.
وسارت نحو المدينة لتكون ضمن أمهات المؤمنين، وكأن التاريخ يحدثنا أن سنة إبزاهيم سنة جارية إستقرت في نهاية المطاف عند النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، أو كأنه يقول إن حركة المقدمة يستقيم مع حركة الخاتمة.
إن هدية المقوقس تفيد أن الحجة قد قامت على الخاصة من قبل أن يبعثوا بالهدية.
وعندما بعثوا بهذه الهدية فإن هذا يعني أن الحجة دامغة على دائرة أوسع من دائرة الخاصة.
وتحت هذا السقف يمكن أن نفهم بكل يسر ما روي عن كعب بن مالك.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إستوصوا بالقبط خيرا " فإن لهم ذمة ورحما ".
قال: ورحمهم أن أم إسماعيل بن إبراهيم منهم.
وأم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم منهم) (1).
وروى ابن كثير وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب في المدينة البغلة التي أهداها إليه المقوقس.
وأنه ركبها يوم حنين.
وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها.
وكانت عند علي بن أبي طالب.
كان يركبها يوم الجمل.
ثم صارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وكبرت حتى كان يحش لها الشعير لتأكله (2).
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطأ مارية بملك
اليمين.
ووهب أختها لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن (1)، وروي عن عبد انرحمن بن زياد قال: أتى جبريل عليه السلام.
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد وهب لك غلاما " من مارية.
وأمرك أن تسميه إبراهيم) (2).
وروي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم (3).
وروى أبو عمر: إن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثمانية عشر شهرا " (4) وقيل: وهو ابن ستة عشر شهرا " (5) وذكر ابن كثير في البداية والنهاية: لما توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله.
بعث علي بن أبي طالب إلى أمه مارية.
فحمله علي بن أبي طالب وجعله بين يديه على الفرس.
ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.
فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه.
فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد.
فدخل علي بن أبي طالب في قبره.
حتى سوى عليه ودفنه.
ثم خرج ورش على قبره وأدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في قبره وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبكى المسلمون حوله حتى إرتفع الصوت.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدمع العين ويحزن القلب.
ولا نقول ما يغضب الرب.
وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون (6).
وفاتها: روي أن مارية رضي الله عنها توفيت سنة ست عشر في خلافة عمر بن الخطاب.
وروي أنها ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ودفنت بالبقيع (1).