زواجها: هي: زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن حبرة بن مرة بن أسد بن خزيمة، وأمها: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.
عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرج ابن سعد عن عمر بن عثمان عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.
وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة.
فقالت: يا رسول الله لا أرضاه لنفسي وأنا أيم قريش قال: فإني قد رضيته لك.
فتزوجها زيد بن حارثة (1).
وروي أن زيدا " كان يقال له زيد بن محمد، وكان أهل الجاهلية يعتقدون أن الذي يتبنى غيره يصير ابنه بحيث يتوارثان إلى غير ذلك، فلما نزل قوله تعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) وقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) الآية.
وزواج النبي صتى الله عليه وآله وسلم بزينب بنت جحش إنتفى ما كانوا يعتقدونه في الجاهلية، وعلاوة على ذلك
إمتحن الله تعالى المسلمين في هذه الآونة بهذا الزواج.
فأما الذين آمنوا فقد علموا أن وراء هذا التشريع حكمة.
وأما المنافقين فقالوا حرم محمد الولد وقد تزوج إمرأة إبنه.
إلى غير ذلك.
وقصة الزواج أشار إليها قول الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا " أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا " مبينا ".
وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه.
فلما قضى زيد منها وطرا " زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ".
وكان أمر الله مفعولا " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له.
سنة الله في الذين خلوا من قبل.
وكان أمر الله قدرا " مقدورا.
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا " إلا الله وكفى بالله حسيبا ".
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين.
وكان الله بكل شئ عليما ") (1).
قال صاحب الميزان: المراد بهذا الذي أنعم الله عليه.
وأنعم النبي عليه.
زيد بن حارثة.
الذي كان عبدا " للنبي صلى الله عليه وسلم ثم حرره واتخذه ابنا " له.
وكان تحته زينب بنت جحش.
أتى زيد النبي فاستشاره في طلاق زينب.
فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلاق.
ثم طلقها زيد فتزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ونزلت الآيات.
فقوله: (أنعم الله عليه) أي بالهداية إلى الإيمان وتحبيبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله: (وأنعمت عليه) أي بالإحسان إليه وتحريره وتخصيصه بنفسك، وقوله: (أمسك عليك زوجك واتق الله) كناية عن الكف عن
تطليقها.
ولا تخلو من إشعار بإصرار زيد على تطليقها وقوله: (وتخفي
في نفسك ما الله مبديه) أي مظهره (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ذيل الآيات.
أعني قوله: (الذين يبلغون رسالات الله ولا يخشون أحدا " إلا الله) دليل على أن خشيته صلى الله عليه وسلم الناس.
لم تكن خشية على نفسه.
بل كانت خشية في الله.
فأخفى في نفسه ما أخفاه.
استشعارا " منه أنه لو أظهره، عابه الناس وطعن فيه بعض من في قلبه مرض، فأثر ذلك أثرا " سيئا " في إيمان العامة، وهذا الخوف - كما ترى - ليس خوفا " مذموما ".
بل خوف في الله.
وهو في الحقيقة خوف من الله سبحانه.
فقوله: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) الظاهر في نوع من العتاب.
ردع عن نوع من خشية الله.
وهي خشية عن طريق الناس وهداية إلى نوع آخر من خشيته تعالى، وأنه كان من الحري أن يخشى الله دون الناس.
ولا يخفي ما في نفسه ما الله مبديه.
وهذا نعم الشاهد على أن الله كان قد فرض له أن يتزوج زوج زيد الذي كان تبناه، ليرتفع بذلك الحرج عن المؤمنين في التزوج بأزواج الأدعياء.
وهو صلى الله عليه وآله وسلم كان يخفيه في نفسه إلى حين.
مخافة سوء أثره في الناس، فأمنه الله ذلك بعتابه عليه.
نظير ما تقدم في قوله تعالى: (يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك - إلى قوله - والله يعصمك من الناس) الآية.
فظاهر العتاب الذي يلوح من قوله: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) مسوق لإنتصاره..وتأييد أمره.
قبال طعن الطاغين ممن في قلوبهم مرض.
نظير ما تقدم في قوله: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى
يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) (1) ومن الدليل على أنه إنتصار وتأييد في صورة العتاب قوله تعالى بعد: (فلما قضى زيد منها وطرا " زوجناكها) حيث أخبر عن تزويجه إياها.
كأنه أمر خارج عن إرادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واختياره ثم قوله: (وكان أمر الله مفعولا ").
فقوله: (فلما قضى زيد منها وطرا " زوجناكها) متفرع على ما تقدم من قوله: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) وقضاء الوطر منها كناية عن الدخول والتمتع، وقوله: (لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم لما قضوا منهن وطرا ") تعليل للتزويج ومصلحة للحكم.
وقوله: (وكان أمر الله مفعولا ") مشير إلى تحقيق الوقوع وتأكيد للحكم.
ومن ذلك يظن أن الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخفيه في نفسه.
هو ما فرض الله له أن يتزوجها.
لا هواها وحبه الشديد لها وهي بعد متزوجة.
كما ذكر جمع من المفسرين.
واعتذروا عنه بأنها حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر، فإن فيه أولا ": منع أن يكون بحيث لا يقوى عليه التربية الإلهية، وثانيا ": أنه لا معنى حينئذ للعتاب على كتمانه وإخفائه في نفسه فلا مجوز في الإسلام لذكر حلائل الناس والتشبيب بهن.
وقوله تعالى: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) المعنى: ما كان على النبي من منع فيما عين الله له.
أو أباح الله له.
حتى يكون عليه حرج في ذلك (1).
وقال في الميزان: وفي العيون في باب مجلس الإمام الرضا عند المأمون مع أصحاب الملل في حديث يجيب فيه عن مسألة علي بن الجهم
في عصمة الأنبياء قال: وأما محمد صلى الله عليه وآله وقول الله عز وجل: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) فإن الله عز وجل عرف نبيه صلى الله عليه وسلم أسماء أزواجه في الدنيا وأسماء أزواجه في الآخرة.
وأنهن أمهات المؤمنين.
وأحد من سمى له زينب بنت جحش.
وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة.
فأخفى صلى الله عليه وآله وسلم اسمها
في نفسه ولم يبده، لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنه قال في إمرأة في بيت رجل أنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين.
وخشي صلى الله عليه وآله وسلم قول المنافقين.
قال تعالى: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) يعني في نفسك الحديث.
وروي ما يقرب منه في المجمع في قوله: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) قيل: إن الذي أخفاه في نفسه هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه.
وأن زيدا " سيطلقها.
فلما جاء زيد وقال له: أريد أن أطلق زينب.
قال له: أمسك عليك زوجك.
فقال الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك (1).
مناقبها: في الروايات.
ما أولم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إمرأة من نسائه ما أولم على زينب.
ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم.
وفي الروايات أنها كانت تفتخر على سائر النساء بثلاث: أن جدها وجد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحد.
فإنها كانت بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الذي زوجها منه هو الله سبحانه وتعالى، وأن السفير جبريل عليه السلام.
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: لما أخبرت زينب بتزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها.
سجدت (2) وقال المسعودي: وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش سنة خمس من الهجرة.
وروي عن أم سلمة أن زينب كان بينها وبين عائشة ما يكون
فقالت زينب: إني والله ما أنا كأحد من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنهن زوجهن بالمهور وزوجهن الأولياء، وزوجني الله رسوله وأنزل في الكتاب يقرأ به المسلمون لا يبدل ولا يغير (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) الآية وقالت أم سلمة: وكانت لرسول الله معجبة وكان يستكثر منها.
وكانت إمرأة صالحة صوامة قوامة صنعا.
تتصدق بذلك كله على المساكين (1).
وروي عن عاصم الأحول.
أن رجلا " من بني أسد فاخر رجلا ".
فقال الأسدي: هل منكم إمرأة زوجها الله من فوق سبع سماوات ؟ يعني زينب بنت جحش (2).
وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه.
يتبعني أطولكن يدا ".
قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم
نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش.
وكانت إمرأة قصيرة.
ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صتى الله عليه وسلم.
إنما أراد بطول اليد الصدقة.
قالت: وكانت زينب إمرأة صناع اليد.
فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله (3).
وأخرج ابن سعد عن عمر بن عثمان عن أبيه: ما تركت زينب بنت جحش درهما " ولا دينارا ".
كانت تتصدق بكل ما قدرت عليه.
وكانت مأوى المساكين.
وتركت منزلها فباعوه من الوليد بن عبد الملك حين هدم المسجد بخمسين ألف درهم (4) وروي عن محمد بن كعب قال: كان عطاء
زينب بنت جحش إثني عشر ألفا " لم تأخذه إلا عاما " واحدا " فجعلت تقول: اللهم لا يدركني هذا المال من قابل.
فإنه فتنة ثم قسمته في أهل رحمها وفي أهل الحاجة (1).
وفاتها رضي الله عنها: توفيت زينب بنت جحش في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين وهي بنت خمسين.
وقيل إنها عاشت ثلاثا " وخمسين (2) وروي أن عمر بن الخطاب أراد أن يدخل القبر فأرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: إنه لا يحل لك أن تدخل القبر.
وإنما يدخل القبر من كان يحل له أن ينظر إليها وهي حية (3) وحفر لها بالبقيع عند دار عقيل فيما بين دار
عقيل ودار ابن الحنفية.
ونقل اللبن من السمينة فوضع عند القبر.
وكان يوما " صائفا " (4).