شهدت مصر انكماشا مروعا في الفضاء السياسي الرسمي, بل وغير الرسمي في ظل حكم الرئيس مبارك, وهي المشكلة التي برزت بوضوح أثناء المناقشات حول تعديل نص المادة 76 من الدستور
حيث يتعذر التعرف على شخصيات عامة قادرة وراغبة في منافسة الرئيس مبارك أو أي مرشح آخر للدولة. ومع ذلك فمقابل انكماش الفضاء السياسي توسعت الدولة في ضم ودمج شرائح جديدة لنخبة الحكم, وبذلك جرت عمليات كبرى في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد خلال سني حكم الرئيس مبارك, كما يلي:
1- تواصل انكماش الفضاء السياسي:
فمنذ أعلن الرئيس السادات التحول إلى نظام المنابر (1976) ثم الأحزاب (1977) وحصرها في ثلاثة بصورة اصطناعية رفضت لجنة الأحزاب التابعة للدولة قبول أي طلب لتأسيس الأحزاب سوى في حالة واحدة, وتشكلت جميع الأحزاب الأخرى بأحكام قضائية. ومع ذلك فإن النظام الحزبي كله قد وضع في الثلاجة وتم إجهاض الحماس الأولي للحياة الحزبية بسبب تدخل الدولة في الانتخابات العامة, وحصر أنشطة الأحزاب داخل المقرات واختزالها عمليا في الصحف الحزبية, مما وسمها بالتهميش والتقزم المتزايد.
وترتب على ذلك أن أنشط الكوادر السياسية في البلاد هجر الحياة الحزبية, وتحول بعضها إلى النشاطات المدنية. كما اتسعت المسافة الفاصلة بين الحياة السياسية الفعلية والبنية الرسمية للأحزاب, بما في ذلك الحزب الوطني. وجعلت هذه السمة من السياسة وظيفة بيروقراطية بصورة كلية.
2- الحرب ضد التيار الإسلامي:
وقد نتجت هذه الظاهرة جزئيا عن العنف والإرهاب الذي شنه القطاع المتطرف من التيار الإسلامي خلال الثمانينيات والتسعينيات. وفضلا عن ذلك بقي أهم فصيل سياسي في البلاد وهو حركة الإخوان المسلمين محجوبا عن الشرعية ومعرضا لضربات أمنية دورية. وحتى اليوم تستبعد الدولة إضفاء الشرعية على هذا التيار, رغم أنه يشكل أكبر تيارات المعارضة وأكثرها شعبية. وصرح الرئيس مبارك في خطابه أمام مؤتمر الإصلاح العربي بالإسكندرية منذ أسابيع قليلة "بضرورة اتباع أسلوب إصلاحي لا يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ولا يسمح بتولي قوى التطرف والتزمت لزمام الإصلاح وتوجيهه وجهة لا تتفق مع رؤى المجتمع", وهو ما يعني الإصرار على إقصاء حتى الإخوان المسلمين.
3- تجميد الحراك الجيلي:
واصل جيل الرئيس مبارك لنحو عقدين ونصف احتكار قيادة مؤسسات الدولة بالمعنى الواسع للكلمة, وحرمت الأجيال الشابة والوسيطة تماما تقريبا وحتى شهور قليلة فقط من حقها في فرصة المشاركة القيادية. بل حرمت عناصر كثيرة من نخبة الحكم ذاتها من الحضور المستقل في الفضاء السياسي, مما ترتب عليه إخضاعها لعلاقة طاعة كاملة وعمياء للأوامر الفوقية.
4- تهميش الطبقتين المتوسطة والفقيرة:
فقد توسعت الدولة في ضم شرائح مختارة من رجال الأعمال الكبار. وتشكل هذه الشريحة الآن نحو ثلث أعضاء مجلس الشعب. وفي الأعوام الأخيرة توسعت الدولة أيضا في ضم الشرائح العليا من تكنوقراط تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهكذا كونت النخبة الأمنية والإستراتيجية الحاكمة حلقات إضافية واسعة نسبيا حول نفسها وخاصة من هؤلاء الذين التفوا حول السيد جمال مبارك في لجنة السياسات. ووقع تحالف أوثق بين الدولة والسوق, وبالمقابل فقدت الطبقة الوسطى والطبقات العاملة أي مقترب منهجي للتأثير على السياسات العامة