أولت المجتمعات اهتماماً خاصاً في بيان الحقوق والواجبات لأفرادها وتحديد الالتزامات بما يضمن سلامة الهيكل العام لبنيتها. وتصدى لهذه المهمة العديد من الباحثين في كل المجالات ذات الصلة وافردوا لها أبحاثاً خاصة، وتوقفوا كثيراً عند تحديد معيار ثابت تتمكن من خلاله منظومة المجتمع من ترتيب الالتزام ومنح الحقوق للأفراد.
وكانت الشريعة الإسلامية الغراء، الشريعة التي تفردت بطرح قيم اجتماعية وأخلاقية عالية التنظيم والدقة والتقدم، من بين الباحثين في شؤون تنظيم الحقوق والالتزامات، وفي هذا السبيل تصدت إلى تحديد مفهوم القاصر،فكان تحديدها له بدقة لم يصل إليها أعلى المفكرين والباحثين مستوىً في كل الأمم الغابرة والحاضرة.
وانعكست تلك الدقة الموضوعية على القوانين المستمدة منها والدساتير التي تنهل من معينها، والنظام القانوني العراقي كان من بين تلك الجداول التي نبعت من عين الحكمة الربانية المنزلة في كتاب الله المجيد فاستمد اغلب أحكامه منها. وعلى وجه الخصوص في تحديد مفهوم القاصر وجاء في المادة 3 من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1978 المعدل وصفاً للشخص الذي يعتبر قاصر وتسري عليه أحكام القاصر بموجب القانون أعلاه وهــم:
(1 ـ الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد وهو تمام الثامنة عشر.
2ـ الجنين.
3ـ المحجور الذي تقرر المحكمة انه ناقص الأهلية أو فاقدها.
4ـ الغائب أو المفقود ).
ومن ذلك فان كل شخص لم يبلغ سن الرشد الذي حددته المادة (105) مدني بأنه ثمانية عشر سنة كاملة تحتسب من تاريخ تمام ولادته حياً على وفق أحكام المادة (45) مدني التي اعتبرت ذلك ابتداء الشخصية الطبيعية للإنسان وتنتهي بموته، كما إن المادة (3) من قانون رعاية القاصرين أشارت إلى سن الرشد. فهـذه الأوصاف المعـتمدة ببيان مفهوم القاصر لم تكن مطلقة بل يـرد عليها استثناء ومنها ما يلي :-
1. الإنسان الذي لم يبلغ سن الثامنة عشر من عمره لا يكون بحكم البالغ العاقل الرشيد ويستثنى من ذلك القاصر في حالة تمامه الخامسة عشر من عمره وزواجه بإذن المحكمة المختصة، إذ يعتبر حينئذ بالغ سن الرشد على وفق أحكام المادة (الثامنة) من قانون الأحوال الشخصية رقم (18 لسنة (59) المعدل.
2. عند فقد الإرادة والأهلية التي جاء بها القانون لوصف الإنسان بالقاصر حتى بعد بلوغه الثامنة عشر من العمر لا ترد على سبيل الإطلاق بل إن الفترات الزمنية التي تعود أهلية ذلك الإنسان فانه يكون عاقلاً بالغاً رشيداً ومنها حالات الجنون فإنها من عيوب الإرادة ويكون الموصوف بها قاصراً إلا انه في حالات الإفاقة من الجنون يكون عاقلاً بالغاً وله ما للآخرين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات، ومن ذلك يتبين إن (الأهلية) هي الأساس في تحديد مفهوم القاصر ويدور معها البلوغ والرشد وجوداً و عدماً، بغض النظر عن العمر الزمني للإنسان. لأن المشرع حينما حدد سن البلوغ في سن الثامنة عشر لم يعتبر هذا إلا بعد أن دلت الوقائع والدراسات على كمال النمو العقلي للإنسان عند هذا السن والدليل على ذلك إن بعض التشريعات تعتبر سن البلوغ اكثر من ذلك أو اقل كل حسب التكوين الجسماني والطبيعة البيئية للمجتمعات والبلدان. والتفت المشرع العراقي إلى ذلك في المادة (17) مدني حينما أشار إلى إن الأهلية تحددها قوانين جنسية المواطن، ففي البلدان التي تعتبر تمام الأهلية في سن اكبر من المحدد في القانون العراقي فان تصرف المواطن الذي لم يكمل هذه السن بحكم تصرفات القاصر ويخضع للأحكام والقواعد المنظمة له مما قد يخلق حالة من الالتباس على المواطن العراقي الذي يعتقد إن سن البلوغ مثلما معتمد لديه ويتعامل مع ذلك الأجنبي على أساس كمال الأهلية وتحوطاً لمثل هذا الأمر اعتبر المشرع العراقي ذلك سبباً مخفياً على المواطن العراقي ولا يؤثر في السلوك والتصرف ويكون ذلك الأجنبي يحكم البالغ من هذه الناحية فقط على وفق أحكام الفقرة (2) من المادة (17) مدني.
3. ويقودنا البحث إلى إن مفهوم القاصر يختلف عن مفهوم الحدث وهذا الفرق يتمثل بكون مناط تحديد مفهوم الحدث هو العمر الزمني لابتداء الشخصية الطبيعية للإنسان إذ أشارت إليه الفقرات (أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً) من المادة (3) من قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 فمن أتم الثامنة عشر من عمره لا يعتبر حدثاً حتى وان فقد الأهلية والإنسان الذي يرتكب جرماً يعاقب عليه القانون وهو في كمال الأهلية وتمام الإرادة ولم يتم الثامنة عشر من عمره يكون حدثاً على وفق أحكام قانون رعاية الأحداث عند إجراء التحقيق والمحاكمة، كما إن الذي أتم الثامنة عشر من عمره وارتكب جرماً أو فعلاً يعاقب عليه القانون وكان فاقداً لأهليته فانه يعامل معاملة البالغ لسن الرشد على إن فقدانه للأهلية يعتبر مانعاً من موانع المسؤولية عملاً بأحكام المادة (60) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
ومما تقدم يتبين إن للقاصر مفهوماً خاصاً يختلف عن الحدث ويرتب آثار قانونية مهمة كانت ولا زالت محل اهتمام المجتمعات المتحضرة والشرائع السماوية والوضعية. وهذا يدعونا إلى بذل العناية في تحديد مفهوم القاصر بدقة اكبر والتعامل معها بحصافة اكثر سواء كان من قبل الأفراد أو الدوائر ذات العلاقة بالقاصر من حيث تأمين الأجواء الملائمة لتنشئته على الأسس والقيم التي اختطها المجتمع ورسمتها قيادته.