هل يمكن لأي شخص يعيش في العالم العربي، الخروج من بيته والذهاب الى السوبر ماركت أو دكان البقال المجاور لشراء برتقالة واحدة أو موزة أو أي شيء آخر بصيغة المفرد لا الجمع، التزاماً منه، بلائحة المواد التي قرأها في كتاب الطبخ الذي ابتاعه.
أو بحسب تعليمات الطاهي المحترف في برنامج تلفزيوني. قطعاً هذا الأمر مستحيل! ففي بلادنا ثمة عادة دائمة مستدامة هي شراء المواد الغذائية بكميات.
ومن يلتزم بما سبق وذكر هم قلة قليلة، لا تعد على أصابع اليد الواحدة، ربما. مع ذلك، ثمة ازدهار ملحوظ في طبع وتسويق كتب الطبخ، التي تنتشر بجدية، وتتضاعف أسعارها.
وهناك ما يشير الى أن طاهيا واحدا باع من كتابه حول فن الطبخ في عام واحد، أكثر مما باع نجيب محفوظ من كل كتبه في كل حياته، رغم أن سعر الكتاب مبالغ به جداً.
في الغرب الأمر مختلف تماماً، فالعادة تقضي أن يشتري المرء من كل شيء ما يحتاجه تماماً، من دون زيادة أو نقصان، ومن دون أن يشعر بأي حرج من الآخرين.
مع ذلك، فإن شراء مجموعة أشياء خاصة بطريقة تحضير طبق معين، يستلزم بداية الوقت للبحث عن الأشياء التي غالباً لا تكون جميعها موجودة، ما يعني أن الطبق ربما سيكون ناقصاً لأحد مكوناته، أو أن هناك مكونات لا يمكن شراؤها حسب الحاجة إنما بكميات معينة مفروضة فرضاً.
ثانياً، التفكير بأن الكميات المتبقية من المواد التي تستعمل في هذا الطبق ربما لن نحتاج الى استعمالها لاحقاً ما يعني أنها ستضيع هباءً بعد تحضير الطبق لمرة واحدة، خصوصاً إذا كان الطبق غير جيد ولم يلق القبول المفترض، أي أنه لم يخرج في حلة شبيهة بتلك التي كانت في الكتاب.
ورغم ما سبق فإن ظاهرة انتشار كتب الطبخ، في الغرب، آخذة في الانتشار والتوسع، وأي شخص لديه الذوق والقدرة على تجميع المعلومات، إضافة الى حب المطبخ، يمكنه أن يؤلف كتابه وينشره ويبيع منه مئات أو آلافا أو حتى مئات آلاف النسخ، طبعاً، إذا لقي الدعاية المناسبة ودار النشر السخية التي تهتم بالإعلان عن منشوراتها.
أما إذا كان محترفاً، محظوظاً، ومقبولاً من الكاميرا في نفس الوقت، فسيحظى بفرصة عمره من خلال برنامج تلفزيوني، يدخله الى كل بيت، من دون مقدمات كثيرة أو بذل مجهود كبير.
مع ذلك فإن هذا القطاع قد أصيب بالتخمة، فلا توجد قناة تلفزيونية إلا وضمن برامجها الأساسية برنامج للمطبخ، وثمة قنوات مثل القناة الفرنسية الخامسة تحتوي على ثلاثة برامج للطبخ. بينها برنامج بالغ الأهمية حول فن الطبخ la gestronomi بطله jean-luc petitrenaud وهو أشهر ناقد لفن الطبخ في فرنسا ويشتهر بأنه لا يستعمل يديه ابداً إلا للتذوق، كما أنه أصدر ما يقرب من الخمسة عشر كتاباً متخصصاً في فن الطبخ الفرنسي. أيضا فقد بات للمطبخ قناة خاصة تسمى قناة المطبخ cuisine.tv.
بعيداً عن التلفزيون وطريقة تقديمه البصرية المغرية لتحضير أي طبق، فإن المكتبات في الغرب مصابة بتخمة كتب الطبخ، وهي تتعدى أنواعها وأشكالها وأسعارها بشكل غريب.
وبعدما أصبح لكل طاهٍ كتابه الخاص أو كتبه الخاصة، وأصبحت فكرة شراء كتاب يتحدث عن الطبخ مسألة شاقة نسبياً، ففي عالم شراء الكتب من خلال الإنترنت، مثلاً، يعرض موقع التسويق العالمي amazon.fr رقما خيالياً عن كتب الطبخ يصل الى 50568 ألف كتاب متنوع في أنواع وأشكال وجنسيات الطبخ.
ويمكن لأي شخص اليوم أن يحضر في بيته أية أكلة حتى لو كانت من المطبخ الفيجي، عدا عن الياباني والصيني والهندي والآسيوي والمتوسطي والتركي واليوناني والإيطالي والمغربي... إلخ.
وفي الموقع نفسه يوجد ما يقرب من ثلاثين ألف كتاب حول فن الطبخ الفرنسي وحده، حتى يمكن القول بانه أصبح لكل قرية في فرنسا كتابها الخاص في فن الطبخ. ويفتخر الفرنسيون بأن بلدهم هو بلد هذا الفن وأمه وأبوه.
وأنهم الشعب الذي يقدر كثيراً المائدة في ثقافته اليومية. هذا عدا أن هناك مطاعم كثيرة تختص فقط بتقديم أطباق محددة دون غيرها، وتتعامل مع الأمر بصرامة شديدة وخاصة وتلتزم بعدم تجاوز تقاليدها.
إضافة الى أن فرنسا تشتهر دوناً عن باقي البلدان الأخرى بخاصية كبار الطهاة الذين لا يفتحون مدارسهم لتعليم هذا الفن فقط وإنما يفتحون مطاعمهم الخاصة التي تحمل أسماءهم.
ويشتهر إقليم Rhône-Alpes بهذه الخصوصية، إذ يحتوي على أكثر من مائة وخمسين مدرسة عالمية لتعليم هذا الفن، عدا عن أنه موطئ كبار الطهاة في العالم وهم فرنسيون.
وهؤلاء جميعاً يقيمون أماكنهم الخاصة أو مطاعمهم في مدينة ليون عاصمة الإقليم. كما أن لكل واحد من هؤلاء الكبار ما لا يقل عن خمسة مؤلفات ورقية.
ورغم ذلك، فأمر نشر الكتب لا يتوقف على كبار الطهاة وأصحاب الخبرة الكبيرة في هذا المضمار. فقد أصبح لكل فرد حرية نشر كتابه وطريقته في تحضير بعض الأطباق.
كما يمكن لأي تلميذ متخرج حديثاً من مدارس تعليم فن الطبخ نشر كتابه، ما يعني أن الكتاب، لا يحتوي لا على خبرته العملية في هذا المجال ولا على ابتكاراته الشخصية.
وبهذا فإن كل ما يحتويه الكتاب، عبارة عن معلومات عامة عن أطباق معروفة جداً ورائجة. وهذا النوع من الكتب كثير جداً ومنتشر في كافة أنحاء العالم وليس فرنسا فقط.
ظاهرة موازية بدأت تنتشر في الغرب، لا تتعلق بالكتب الكثيرة والفائضة، ربما، عن الحاجة. بل في المجلات الموازية والتي تهتم بفن الطبخ.
فبعيداً عن المجلات المتخصصة والمعروفة بعالم المهنة، خاصة تلك المجلات التي تخصص مساحات واسعة فيها لفن الطبخ، وتنشر تحقيقات كثيرة حول الموضوع، فإن مجلات جديدة بدأت تظهر هي عبارة عن مجلات شبه متخصصة، صغيرة الحجم، تحمل أسماء مثل gourmands أو la gastronomie أو l"art de cuisine وغير ذلك من أسماء، وهي تخصص فقط للبيع في محلات التجزئة الكبيرة وبأسعار زهيدة جداً.
ورغم أنها تحتوي على تحقيقات فإن أي تحقيق فيها لا يحتوي على اسم الكاتب أو الصحافي الذي أجرى التحقيق.
إنما يكون مطبوعا على غلافها صورة الطاهي الذي يصدرها فقط، وهو عادة لا يكون من الكبار في المهنة، بل مجرد طاه يريد من خلال المجلة تحقيق الأرباح والانتشار والشهرة معاً.
وإمعاناً في تسويق هذه المنتجات، باتت هذه المجلات تباع مباشرة بأماكن استراتيجية ضمن هذه المحلات وتتمثل بوضع ستاند صغير بجانب صندوق المحاسبة إضافة الى المجلات المتخصصة ببرامج التلفزيون. هذا في فرنسا والغرب، أما في العالم العربي، حيث سوق الكتب محدودة جداً وضيقة، فإن لكتب الطبخ القدرة على الانتشار، تماماً، مثلما تنتشر وبسرعة البرق البرامج التلفزيونية.
وتفيد عدة إحصاءات حول نسبة المشاهدين في التلفزيونات العربية والقنوات الفضائية، أن برامج الطبخ هي من بين أكثر البرامج التي تحظى بنسب المشاهدين. والمهم في هذا السياق أن لكل طاهٍ كتابه الخاص، ما يعني أن البرنامج هو وسيلة لجذب المشاهدين من جهة ولتسويق الكتاب من جهة ثانية.
لكن مع ذلك، فإن لكتب الطبخ في العالم العربي قدرة تأثيرية أقل. فأكثرية الطهاة أشخاص غير قادرين على الابتكار بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي لا يملكون ملكة ابتكار أطباق شخصية.
وبذلك فإنهم يحضرون أطباقاً معروفة، لكن بإضافات بسيطة لمواد تتجانس مع مواد الطبق الرئيسية.
والمتتبع لبعض البرامج في العالم العربي لا يجد سوى ذلك، خاصة في البرامج التي تبث في قنوات الدول المطلة على حوض المتوسط.
كما أن كتب معظم هؤلاء الطهاة لا تحتوي على مأكولات فريدة، فأحد هؤلاء على سبيل المثال، وضع في كتابه طريقة تحضير الكبة النيئة وهي أكلة تشتهر كثيراً في لبنان وفلسطين وسورية مضيفاً الى حشوة الكبة الجوز المبروش وكأنه بهذا يضع لمسته السحرية، من دون أن يعرف ربما بأن غالبية سكان مدن فلسطين ولبنان وسورية تضيف الجوز الى الحشوة ليس لإدخال نكهة مضافة الى الأكلة فقط، لكن للتعبير عن البذخ والتبذير لا أكثر.
من جانب مختلف فقد أصدر طاهٍ آخر، يعمل في قناة خليجية، كتاباً حول وصفاته بطبعة فاخرة جداً، جل محتوياته مأخوذة من المطبخ الآسيوي.
وفي برنامج آخر على قناة لبنانية محلية، فإن الطاهية وقبل عدة أعوام تفننت في تحضير التبولة وكأن هذه السلطة بحاجة الى برنامج تلفزيوني لكي تعرف.
على الرغم من كل هذا، فإن كتب الطبخ العربية وكذلك البرامج التلفزيونية تلقى رواجاً كبيراً.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تقييم هذه الظاهرة، خاصة أنها تلقى الرواج الكبير. لكن مع ذلك فإن الكثرة دوماً تقضي أو تميت النوعية.
وبهذا فإن النظر الى هذه المسألة مسألة نقدية، على غرار ما يحصل في الغرب، ضروري في العالم العربي.