عدد الرسائل : 53 العمر : 37 البلد : مصر تاريخ التسجيل : 17/08/2007
موضوع: المصري كيف خرجت المرأة من الحريم ؟ الأحد أكتوبر 05, 2008 12:02 pm
كيف خرجت المرأة من الحريم ؟
ايمان القدوسى
رجال هذا الزمان غلابة ، هذا هو الانطباع الذي خرجت به بعد جولتي في عالم الحريم الذي حملتني إليه رواية ( رمزة ) للكاتبة المصرية الموهوبة ( قوت القلوب الدمرداشية ) ، والكاتبة غير معروفة لأنها كانت تكتب بالفرنسية وكانت من سيدات المجتمع الراقي في النصف الأول من القرن العشرين ويكفيها فخرا أنها هي التي شيدت مستشفي الدمرداش خصيصا للفقراء وتركته وراءها صدقة جارية . تدور أحداث الرواية في زمن الخديوي اسماعيل الذي كان يسعي لجعل مصر قطعة من أوروبا وفي خلال سعيه لذلك أصدر قانونا بإلغاء الرق في عام 1877 م وكان هذا التاريخ نقطة البدء لخروج المرأة من وراء أسوار الحريم .
بطلة الرواية هي ( رمزة ) الفتاة المتمردة التي تحمل الكثير من ملامح شخصية وعقلية المؤلفة نفسها والتي عاشت وسط الحريم وأتيحت لها فرصة أن تكون في طليعة من كسرن القيود وخرجن للحياة وفي سبيل ذلك نالتها جراح وخاضت تجارب جديرة بالتأمل حتي وقتنا هذا . أجابت الرواية عن تساؤلات لم أكن أعرف لها جوابا مثل من أين تأتي الجواري ؟ كان لذلك مصدران الأول هو الخطف : مثلما حدث مع ( إندشا ) ( ومعناها لؤلؤة بالتركي ) أم رمزة نفسها فهي سلافية من الصرب وكانت طفلة رائعة الجمال تلعب في حديقة بجوار بيتها عندما خطفت ورحلت إلي الآستانة حيث اشترتها سيدة تركية رحيمة أطلقت عليها اسمها الجديد وتبنتها وعاملتها كابنتها وربتها تربية ملكية حتي صارت فتاة رائعة تساوي وزنها ذهبا وماتت السيدة الرحيمة وبيعت الفتاة واستقر بها المقام في مصر . والمصدر الثاني وهو الأغرب هو ما حدث لنرجس ، فهي فتاة قوقازية جميلة وقوية وقد رباها أبواها وأنفقا علي تعليمها رغم فقرهما لكي يبيعاها جارية ، وذلك لضمان مستقبل أفضل لها ، فقد يتزوجها ملك أو أمير وعلي كل حال جارية مثلها ستعيش حياة أفضل من حياة الفقر والعوز التي كانت بيئتها الأصلية ترشحها لها ، وقد انتهي بها الحال في مصر عند نفس بائع الرقيق الذي اشتري إندشا وتآخت الفتاتان واتفقتا ألا يفترقا أبدا وقد كان .
تدور الأحداث كلها في بيت فريد بك ، وهو بيت متوسط في منطقة فم الخليج يعمل صاحبه مترجما ، تحكم البيت وتديره بقبضة حديدية والدته وزوجته جولستان ، والبيت بكل من فيه من خدم وعز مسخر لخدمة البك وراحته ، والرجل مشغول جدا بعمله ووالدته وزوجته في منتهي الانسجام معا ولكن المشكلة ، أن الزوجة لم تنجب رغم مرور عشر سنوات وتتشاور مع حماتها ويستقر الرأي علي حل وسط . قبل أن يتزوج فريد بك بأخري حرة تعمل رأسها برأسهما وقد تختلف معهما وتحيل البيت الهادئ جحيما قررت الأم شراء جارية له تحقق غرض الإنجاب وتلزم حدودها ولا تعكر صفو حياتهم ووافقت الزوجة علي ذلك . عند تاجر الرقيق وقع اختيار الأم علي (إندشا ) ولأن قانون إلغاء الرق كان قد صدر توا فقد تساهل البائع معها في السعر لأنه يريد تصفية تجارته ولكن نرجس تعلقت بأختها وبكت الفتاتان فاشترتهما معا السيدة بعد فصال جديد وعادت وهي فخورة بتلك الصفقة الرابحة ، فمثل تلك الجارية كان ثمنها لا يقل عن ألف جنيه ذهبية ولكنها حصلت عليهما معا بألف ومائتي جنيه فقط .
في الحقيقة الفتاة منهما كانت تستحق ، فهي متعلمة مثقفة مطيعة جميلة سيدة منزل من الدرجة الأولي تمتلك من المعارف والمهارات ما يرتفع بقيمتها فوق كل تقدير مادي ، كما أنها متدينة حيية لا تخرج من بيتها أبدا إلا لضرورة ، فإن خرجت ففي عربة مسدلة الستائر وبالطبع بحجابها الذي يخفيها تماما عن الأنظار . وهكذا تزوج البك من إندشا التي أنجبت ابنته الوحيدة رمزة وبعد شهور تزوج نرجس التي لم يعش لها ولد ، ولم تتغير طبيعة العلاقة بينهما بل إن إندشا عندما مرضت وشعرت بدنو الأجل لم توص بابنتها إلا نرجس أختها وحبيبتها وعملت نرجس بالوصية وظلت تتحمل مسئولية الفتاة المتمردة وتبذل نفسها في سبيل حمايتها .تعلمت رمزة وانطلقت في ظل رياح التغيير التي هبت علي المرأة وتأثرت بدعوة قاسم أمين وأفكار محمد عبده وقد ترك لها والدها الحرية المطلقة وكان فخورا بذكائها وانطلاقها وخاصة أنها وحيدته . أحبت الضابط ماهر ابن تاجر الأخشاب وشقيق صديقتها بهيجة ولما رفضه أبوها لاختلاف المستوي الاجتماعي هربت معه وتزوجته رغما عنه ، وكانت القضية الأولي من نوعها في مصر وحكم القضاء ببطلان هذا الزواج وبحق الأب في استعادة ابنته ، وفوجئت رمزة بتخاذل ماهر ورغبته في التخلي عنها لما تشكله في حياته من عبء اجتماعي وفضيحة واستجابة لرفض والده هو لزواجه بهذا الشكل وخوفا أيضا علي مستقبله كضابط في الجيش المصري .
وبعد أهوال تطلق رمزة وتعود لوالدها ولكنها في طريق العودة تعلم أنه مات متأثرا بالفضيحة التي تسببت فيها وكانت بطلتها والتي تداولتها الصحف والمنتديات . وظلت رمزة مكانها واقفة علي باب الحريم الذي تركته ومتطلعة للعالم الخارجي الذي لا تعرف كيف ستتعامل معه ، وأظن أن المرأة ما زالت محلك سر إلي يومنا هذا ، تحن أحيانا إلي عالم الحريم عالم الستر والعفاف ، عالم المرأة المنعمة المرفهة التي تمارس فقط مهنتها الفطرية زوجة وأم وربة منزل ، ولكنها لاتحقق نجاحا كبيرا في هذا الدور لأنها لم تؤهل له ولم تدرب علي ما يحتاجه من خبرات ومهارات هي أيضا تعلمت وخرجت وتحمل بين جوانحها روحا متمردة صاخبة كما أنها تتقبل بسهولة ارتداء الحجاب والمبالغة فيه ولكنها لا تتقبل البقاء في البيت فهي لا تقلع عن اللف في الأسواق والصوت العالي وخلافه . وأحيانا تخرج للعمل وتحاول التشبه بالمرأة الغربية ولكنها تفشل أيضا لأن بداخلها هي امرأة شرقية ليس لها جلد علي مصارعة الحياة ولديها رغبة عارمة في الاستجابة لنداء أمومتها وأشواق أنوثتها كما أنها تلتزم بدينها وتقاليدها .
أحيانا أخري تحاول صنع توليفة خاصة من كل ما سبق تحقق بها الحسنيين ، ولكنها ما زالت حائرة ، وإذا كان رجال هذا الزمان غلابة فنساؤه أكثر غلبا وتشتتا وحيرة