بسم الله
أدعوكم- أيها الإخوة- للوقوف حدادا على وفاة الزعيم الراحل.
نجتمع- أيها الإخوة القادة- في ظرف من أدق الظروف التي مر بها وطننا. فمع كل مرارة الهزيمة التي حدثت في يونيه 67، استطعنا أن نجتازها وخرج شعبنا من وسط الحطام وتمسك بجمال زعيماً ليبقى وليستمر النضال، ثلاث سنوات ونصفاً تقريباً تحققت فيها معجزة لم يكن من الممكن أن يصدقها عدو أو صديق.
ومصابنا فادح بفقد الرئيس جمال وخلو مكانه بيننا في الموقف الذي نجتاز فيه معركة شرسة نواجه فيها مختلف الضغوط.
لقد كان فقد جمال كارثة وطنية، ولكن شعبنا بأصالته وبساطته ووعيه عبر فترة الأحداث، وبدأ يتخذ سلسلة من الإجراءات الدستورية عن طرق المؤسسات التي تركها الرئيس الراحل. واستطعنا في أقل وقت أن نقف ثانية وأن نسترد أنفاسنا لنواجه المعركة التي قال عنها جمال "لا يعلو صوت على صوت المعركة".
وإن هذا لدليل على أن شعبنا شعب ناضج وأصيل يعرف كيف يحافظ على هدفه.
ولقائي بكم اليوم هو أول لقاء عام، وكنت حريصا على أن يكون أول لقاء عام مع القوات المسلحة.
وكنت حريصاً على أن يتم هذا اللقاء في جبهة القتال. ولكني حرصت على استكمال بعض الإجراءات الدستورية، علي هذا نلتقي في الجبهة حتى يطمئن المقاتلون إلى صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها.
لقد انتهت كل الإجراءات فى هدوء. وخرج خمسة ملايين مواطن في وداع الرئيس الراحل وانصرفوا بسلام دون أن يقع حادث واحد، وهذا دليل على إحساس الشعب بخطورة المرحلة.
ولابد أن نواصل المعركة، وأن نواجه بعض التعقيدات الموجودة في الجهاز الحكومي لتسهيل حاجات الجماهير وتيسيرها. وهذا هو أول واجب للحكومة الجديدة.
ولابد أن نتجه إلى مزيد من العمل ومزيد من الإنتاج ومزيد من التضحية. وسنحاول أن ندفع الأمور في الاتجاه الذي رسمه الرئيس جمال عبد الناصر.
وإنني قبل الاستفتاء لم أعد الشعب بشيء وكنت أقول للوفود التي جاءتني بأنني لا أعدكم بشيء. ولكننا مطالبون بمزيد من العمل ومزيد من التضحية.
ولابد أن يكون واجب القوات المسلحة الأول هو القتال، ولابد من العمل على رفع الكفاءة القتالية بكل قوة وبكل الأساليب وبكل الجهود.
عن الموقف يوم 5/11/1970 وهو تاريخ انتهاء فترة وقف إطلاق النار المؤقت. فأوضح أنه بالنسبة للعسكريين ليس هناك وقف ثان لإطلاق النار ولابد أن تتخذ كافة الإجراءات لمواجهة عدو خائن غادر سافل لا يتورع عن شيء.
ولن أمد وقف إطلاق النار إلا بشرط وهو جدية الاتصالات وفعاليتها وعلى أي حال يجب ألا ننسى أن هدف العدو من وقف إطلاق النار أن تتحول المسألة إلى روتين وتتجدد المدة كل تسعين يوماً.
وإذا حدث وقبلنا مد وقف إطلاق النار فلن يكون المد إلا لفترة واحدة ولن أقبل تكرار المد.. ولهذا يجب عليكم أن لا تعطوا هذا التاريخ أية أهمية. وعليكم مواصلة الجهد والاستعداد الدائم لخوض معركة المصير.
ولا يستطيع الإسرائيليون إخفاء المصاعب التي يواجهونها ورغبتهم في وقف إطلاق النار وعليكم أنتم يا رجال القوات المسلحة الاستمرار في الإعداد للمعركة وتجهيز الخطط للعمل قبل يوم 5 وبعد يوم 5 وفي كل وقت.
أما الرد السياسي.. فإن قلوبنا مفتوحة وعقولنا مفتوحة وليس من منطق الضعف أو منطق الخوف أن نبقي وقف إطلاق النار وإنما لابد لكي يعرف العالم الحقيقة أن نكشف للرأي العام العالمي حقيقة إسرائيل وحقيقة الدعم الاستعماري لها وقال " لقد عشنا جميعا الفترة التي تلت يونيه 67 وأول دفعة وصلتنا من السلاح.. ظن الروس أننا لن نستوعب السلاح قبل مضي عام ونصف ولكن الذي حدث أننا استوعبنا الأسلحة في خمسة شهور.. وكان الخط الدفاعي الأول قويا متماسكاً".
وعندما تحدث الرئيس في 23 نوفمبر 67 فإنه تحدث من منطق القوة واستمرت القوات المسلحة في عملية إعادة البناء خلف الخط الدفاعي الأول واستمر التدريب العنيف وظن العدو أن مدن القناة رهينة في يده يضربها كلما أراد أن يملي علينا إرادته.. ولكن الرئيس الراحل قرر إخلاء مدن القناة مما شكل عبئا اقتصاديا جديدا ولكن شعبنا امتص كل الضربات وصمد الشعب في المجال الاقتصادي كما صمد في المجال العسكري.
وبدأت حرب الاستنزاف في عام 1969، وبدأ العدو من يوليه يكثف غاراته الجوية مما سبب لنا خسائر. ولكننا تحملناها وكان رد فعل الغارات عكس ما تصور الأعداء.
لقد ارتفعت الروح المعنوية.. وكان كل الأفراد ينادون بتحرير الأرض.. ورغم ضرب بعض المصانع فإن الإنتاج لم يتوقف.
ولقد صمد شعبنا في السنوات الثلاث الماضية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وكان الاتحاد السوفيتي يقف إلى جانبنا بشرف وأمانة في جميع هذه الميادين.
واستمر الاتحاد السوفيتي يعطينا كل ما نريد بدون ثمن تقريباً لأننا نسدد على أقساط طويلة الأجل.
إنني أعلم هذا لأنني كنت أشارك في الاجتماعات واللقاءات التي كانت تتم بين الجانبين العربي والسوفيتي.
وبدأنا في تسديد الأقساط من المحاصيل المصرية والصناعات المصرية.
لقد أعطانا الاتحاد السوفيتي كل الإمكانيات لبناء السد العالي الذي تكلف أربعمائة مليون جنيه.
لقد أعطانا الاتحاد السوفيتي معدات السد العالي الثاني.. وأقصد به مشروع مصنع شرائط الحديد والصلب الذي بدأ بثمانين مليون جنيه.. وهو يصنع شرائط الصلب لخدمة الإنتاج المدني "هياكل العربات والسفن ". وبدأ المصنع ينتج ولم يكن عندنا خام الحديد لأن الأفران لم تكن قد أعدت.. فأعطانا الاتحاد السوفيتي خام الحديد بسعر الخام في السوق العالمية ودفع لنا فرق سعر شرائط الصلب المصنعة لصالحنا.. وشرائط الصلب تعتبر مثل الذهب من الناحية الاقتصادية لأن سوقها مفتوحة في الشرق وفي الغرب.
وبعد عدة سنوات سنجد لدينا خبراء في صنع السفن على أعلى مستوى عالمي.. وكل هذا لمعاونة الاتحاد السوفيتي في الوقت الذي يرفض الغرب إعطاءنا بندقية واحدة. ولا أقول سلاحا آخر خفيفا كان أو ثقيلا حتى لو دفعنا ثمنه للغرب بالعملة الصعبة.
ولقد وقف الاتحاد السوفيتي إلى جانبنا بشرف وأمانة في المجال الاقتصادي وفى المجال السياسي فإن الاتحاد السوفيتي يقبل ما نقبله ويرفض ما نرفضه.
أما في المجال العسكري فإنكم لستم بحاجة لكى أحدثكم عن الدعم العسكري السوفيتي لنا.. فمن أين لنا هذه الأسلحة؟.. إن الغرب لا يسمح ولا يقبل أن يبيع لنا بندقية واحدة.
وأحب أن أؤكد أنه لا توجد بيننا وبين الاتحاد السوفيتي اتفاقات سرية.. كل ما هنالك أننا والاتحاد السوفيتي نواجه عدوا مشتركا هو الاستعمار العالمي.
ويجب علينا أن نستفيد من خبرة الاتحاد السوفيتي وأن نفهم موقفه منا ومساندته لنا.. أننا لن نسمح بأن يتجمد الوضع ونحن في موقف القوة، ولابد أن تواصلوا النضال. فالمعركة آتية.. آتية.. فالحل السلمي والحل السياسي لن يتحقق إلا بكم أنتم.. وعلينا أن نرفع الكفاءة القتالية وأن نحافظ على هدفنا وأن نواصل النضال.
لقد تركنا جمال وترك في أعناقنا مسؤولية.. إنها ليست مسؤوليتي وحدي وإنما هي مسؤولية كل واحد منكم. وعليكم أن تحافظوا على الأمانة. حتى نحافظ على المكانة التي أوصلنا إليها جمال.
وأدعو الله تعالى أن يوفقنا لكي نحقق آمال شعبنا وأرجو أن ننهي معركتنا القتالية بالنصر لنواجه معركة البناء الداخلي.. ولن يسمح لنا التاريخ ولن يغفر لنا شعبنا إذا تهاونا في مسؤوليتنا.
إننا لا نستطيع أن نتخلف ولا نستطيع التفريط في الأمانة.. ونحمد الله تعالى الذي قيض لنا قوة من القوتين الكبيرتين العالميتين تساندنا وتقف إلى جانبنا ولكن يجب ألا ننسى أن المعركة معركتنا نحن وعلينا نحن مسئولية تحرير أرضنا.
إن الشعب لم يبخل على قواته المسلحة بشيء.. لقد أعطاكم بكل رضا لأنه يثق فيكم.. ولكنه لن يرحمكم إذا تهاونتم أو فرطتم.. ولابد أن تحافظوا على ثقة شعبكم فيكم.. وسيظل العدو على حدودنا وسيظل الدعم الاستعماري له وعلينا نحن أن نواجه المعركة وأن ننتصر فيها. إن شعبنا طيب وهو متمسك بكم ويثق فيكم.
لقد حملكم أمانة ويجب أن تنهضوا بها.. وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكي نكون أهلا لتأدية الرسالة وحمل الأمانة