من السنن الجارية في غالب الأمم القديمة اتخاذ الزوجات المتعددة.
فهذا التعدد كان سنة جاربة في الهند والصين والفرس ومصر.
وكان الروم واليونان ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها.
ومما لا شك فيه إن بعض الأمم كاليهود والعرب كان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد.
ولقد ذكرت التوراة الحاضرة إن سليمان الملك تزوج مئات من النساء من قبائل وشعوب كثيرة.
موآبية وعمونية وادومية وصيدونية وحيثيه ومصرية إلى غير ذلك (1) ولقد جرت سنة إتخاذ الزوجات في الأمم القديمة لحاجة رب البيت إلى الجمع وكثرة الأعضاء، وكان يقصد بهذه الرغبة في التكاثر.
أن يهون له أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشته.
وليكون ذلك وسيلة يتوسل بها إلى الترؤس والسؤدد في قومه.
فبقدر التكاثر في البنين والتكاثر في الأقرباء بالمصاهرة يكون القرب بين بسط اليد والترؤس والسؤدد.
وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وجاء بالدين الفطري.
قام الإسلام بتنظيم جميع نواحي الحياة الإنسانية.
ولما كان المجتمع العائلي: الذي هو نفس الحياة الزوجية قاعدة للمجتمع.
فإن الإسلام نظر إلى علاقة الرجل بالمرأة ووضع أمر الإزدواج موضعه الطبيعي.
فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح.
وأقام الإسلام نظاما " للتربية يقوم على الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع، وبالجملة: نظم الإسلام الحياة من القاعدة إلى جميع نواحي الحياة الإنسانية.
وجعل جميع
الحياة ذات أدب، وبسط الإسلام على معارفه رداء التوحيد لأن التوحيد هو العامل الوحيد الذي يحرس الأخلاق الفاضلة ويحفظها في ثباتها ودوامها، وما تهددت الإنسانية بالسقوط والإنهدام إلا بإبتعادها عن التربية الحقة.
فهذا الإبتعاد أبطل فضيلة التقوى وأرسى قواعد القسوة والشدة.
ولازم ذلك إبتعاد العلوم المفيدة وإقتراب النواقص التي تحيط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة، ومما لا شك فيه إن المعارف الحقة والعلوم المفيدة التي تسوق الإنسان إلى صراط الله المستقيم.
لا تكون في متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه.
ولا تصلح الأخلاق إلا بالتربية التي يقوم عمودها الفقري على التوحيد.
ولما كان تعدد الزوجات سنة جارية على إمتداد المسيرة البشرية.
فإن الإسلام شرع التعدد وجعل له ضوابط وشروط.
والإسلام لم يشرع تعدد الزوجات على نحو الإيجاب والفرض على كل رجل.
وإنما نظر في طبيعة الأفراد وما ربما يعرضهم من العوارض الحادثة، فالتعدد له أسبابه وتشريعه حفظا " لمصلحة المجتمع الإنساني.
ولقد إعتنى الدين في تهذيبه للأخلاق أن لا تختزن الشهوة في الرجل أو المرأة لأن ذلك يدعو إلى التعدي إلى الفجور والفحشاء.
فوضع الإسلام الضوابط التي معها يرتفع هذا الحرمان ومنها الصوم أو الزواج.
ونظرا " لأن المرأة الواحدة ربما إعتذرت فيما يقرب من ثلث أوقات المعاشرة والمصاحبة.
كأيام العادة وبعض أيام الحمل والوضع والرضاع ونحو ذلك.
رفع الإسلام الحاجة الغريزية بالتعدد وفقا " لشروطه.
ولم يقصد من وراء التعدد رفع الحاجة الغريزية فحسب. وإنما إعتمدت الشريعة في مقاصدها تكثير نسل المسلمين وعمارة الأرض بيد مجتمع مسلم.
عمارة صالحة ترفع الشرك والفساد.
وكما ذكرنا إن التعدد لم يشرع على نحو الإيجاب والفرض على كل
رجل.
وإنما تقوم قاعدته على العدل.
فالإسلام إستقصى مفاسد التكثير ومحاذيره وأحصاها.
وعلى هذه الخلفية أباح التعدد حفظا " لمصلحة المجتمع الإنساني.
وقيد التعدد بما يرتفع معه جميع هذه المفاسد وهو وثوق الرجل بأنه سيقسط بينهن ويعدل.
فمن وثق من نفسه بذلك ووفق له.
فهو الذي أباح له الدين تعدد الزوجات.
قال صاحب تفسير الميزان: إن الإسلام شرع الإزدواج بواحدة.
وأنفذ التكثير إلى أربع.
بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد، وشرط الإسلام على من يريد من الرجال التعدد أن يقيم العدل في معاشرتهن بالمعروف وفي القسم والفراش.
وفرض لهن نفقتهن ثم نفقة أولادهن، ولا يتيسر الإنفاق على أربع نسوة مثلا " ومن يلدنه من الأولاد مع شريطة العدل في المعاشرة وغير ذلك.
لا يتيسر ذلك إلا لبعض أولى الطول والسعة من الناس لا لجميعهم، أما هؤلاء الذين لا عناية لهم بسعادة أنفسهم وأهليهم وأولادهم.
ولا كرامة عندهم إلا ترضية بطونهم وفروجهم.
ولا مفهوم للمرأة عندهم إلا أنها مخلوقة في سبيل شهوة الرجل ولذته.
فلا شأن للإسلام فيهم.
إن الإسلام جاء بمعارف أصلية وأخلاقية وقوانين عملية متناسبة الأطراف مرتبطة الأجزاء.
ولما أن كانت الحياة الزوجية هي قاعدة
المجتمع، ولما كانت هذه الحياة ربما تتعرض لبعض العوارض، ولما كان الإسلام يقصد من وراء تكثير النسل عمارة الأرض بين مجتمع مسلم عمارة صالحة.
فإن الإسلام حدد لكل داء دواؤه.
لأن فساد بعض الأجزاء يوجب تسرب الفساد إلى الجميع.
فالتعدد دواء لداء معين.
ولا يكون صحيا " إلا إذا قام على العدل والقسط وتدثر بدثار الأخلاق الفاضلة والأدب، وانطلق إلى هدف الإسلام وغايته.