أوجبت محكمة النقض علي قاضي الموضوع ان يبحث الواقعة بجميع كيوفها وأوصافها حتي ينزل عليها التكييف القانوني السليم إعمالا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فهذا المبدأ ليس موجها الي المشرع وحده، بل موجه أيضا إلي القاضي. فإذا تجاهل تطبيقه بأن أضفي على الواقعة وصفا قانونيا خاطئا انطوى ذلك علي إخلال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في بعض الأحوال. وفي هذا الصدد حددت محكمة النقض أربع دعائم لسلطة قاضي الموضوع في اعمال التكييف القانون الصحيح:
(أولاها) عدم التقيد بالتكييف القانوني المرفوعة به الدعوي كما ورد في أمر الاحالة الصادر من النيابة أو في ورقة التكليف بالحضور او في طلبات النيابة العامة، وانما يتعين علي القاضي ان يضفي علي الواقعة المعروضة عليه التكييف القانون السليم( المادة208 اجراءات) انظر قضاء مستقرا لمحكمة النقض مقالة نقض16 اكتوبر سنة1967 مجموعة أحكام النقض س18 رقم200 ص21،986 ديسمبر سنة1967 س18 رقم295 ص3،1228 مارس سنة1988 س39 رقم55 ص377)
(ثانيتها) أن القاضي لا يتقيد بالتكييف القانوني الذي أثبتته غيره من جهات القضاء. ويستوي ان تكون هذه الجهة من قضاء التحقيق او قضاء محكمة اول درجة مع ملاحظة ان المحكمة الاستئنافية مقيدة بعدم الاضرار بمركز المتهم اذا كان هو المستأنف الوحيد، طبقا لمبدأ عدم اضرار المستأنف باستئنافه( المادة3/417 اجراءات) ومقيدة بحدود الاستئناف المعروض عليها، وقد رتبت محكمة النقض علي ذلك ان الحكم الصادرفي المعارضة بعدم جوازها او بعدم قبولها لرفعها عن حكم غير قابل لها يقتصر في موضوعه علي هذا الحكم باعتباره حكما شكليا قائما بذاته دون ان ينصرف اثر الاستئناف الي الحكم الابتدائي الفاصل في الموضوع لاختلاف طبيعة الحكمين( نقض23 اكتوبر سنة2005 الطعن رقم23757 لسنة65 ق). وكذلك الشأن فإنه نظرا لتحديد نطاق الاستئناف بشخص رافعه، فإن استئناف النيابة العامة يكون مقصورا علي الدعوي الجنائية، مما لا يجوز معه للمحكمة الاستئنافية ان تنظر الدعوي المدنية وتفصل فيها( نقض4 يناير سنة2006 الطعن رقم18598 لسنة70 ق)
(ثالثتها) أن تغيير التكييف القانوني للواقعة ليس محض رخصة للمحكمة، بل هو
واجب عليها، فعليها ان تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع أوصافها وان تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحا (نقض8 يونيو سنة1964، مجموعة أحكام النقض س15 رقم94 ص 476. 12مايو سنة1964 س15 رقم74 ص 380. أول يونيو سنة1965 س16 رقم 108 ص 538. 7 نوفمبر1966 س17 رقم201 ص 1076. 10 ابريل سنة1967 س 18 رقم 98 ص 512. 13 أكتوبر سنة1974 س 25 رقم 142 ص661). فليس للمحكمة أن تقضي بالبراءة في دعوي قدمت اليها بوصف معين الا بعد تقليب وقائعها علي جميع الوجوه القانونية والتحقق من أنها لا تقع تحت أي وصف قانوني من أوصاف الجرائم المستوجبة قانونا للعقاب ( نقض2 ابريل سنة 2001 الطعن رقم 3388 لسنة65 ق. 8 يونيو سنة1964 مجموعة احكام النقض س 15 رقم 94 ص 476. 23مايو سنة 1967 س 18 رقم 138 ص 705).
(ورابعتها) وجوب تنبيه المتهم إلى التكييف القانوني الجديد احتراما لحق الدفاع عندما يتطلب الامر ذلك، ولذلك وجب علي المحكمة في هذه الحالة ان تمنح المتهم أجلا لاعداد دفاعه إذا طلب ذلك. وطالما أن تغيير التكييف لا يمس حق الدفاع فلا تلتزم المحكمة بلفت نظر الدفاع إلى التكييف القانوني الجديد إذا كان هذا التكييف مما يتسع له التكييف المرفوعة به الدعوي ( نقض25 يناير سنة1965 مجموعة احكام النقض ص 16 رقم 24 ص101). وذلك الشأن إذا استندت المحكمة في تغيير وصف الجريمة إلى استبعاد بعض عناصر الواقعة الجنائية المرفوعة بها الدعوي، مثل نية القتل أو سبق الإصرار( نقض27 نوفمبر سنة1956 مجموعة احكام النقض س 7 رقم133 ص 1188. 3 ديسمبر سنة1957 س 8 رقم 259 ص 44. 5 مارس سنة 1962 س 5313 ص 201. 4 أكتوبر سنة 1965 س 16 رقم127 ص 662). كما أنه إذا كان كل ما فعلته المحكمة عند إضافة عناصر جديدة هو مجرد تصحيح لبيان كيفية ارتكاب الجريمة بما لا يغير في وصف الجريمة، فإنه لا يقضي تنبيه المتهم الي ذلك( نقض 28 فبراير سنة 1956 مجموعة أحكام النقض س 7 رقم 82 ص 281).
واحتراما لحق الدفاع استقر قضاء النقض علي وجوب تنبيه المتهم كلما ترتب علي تغيير وصف التهمة أو تعديله إثارة دفاع جديد للمتهم. ويتحقق ذلك في حالتين هما:
(أ) أن يتم تغيير وصف التهمة إلى وصف آخر أشد ولو كان مبنيا علي ذات الواقعة المنسوبة اليه دون اضافة أي عنصر اخر إليها (نقض 26 نوفمبر سنة 1962 مجموعة أحكام النقض س 13 رقم 188 ص 770. 14 أكتوبر سنة 1963 س 14 رقم 113 ص612).
(ب) أن يتم تعديل وصف التهمة بناء على إضافة عناصر جديدة إلى الواقعة المرفوعة بها الدعوي، بغض النظر عما إذا كان التعديل منطويا علي صالح المتهم أو ضده. ومن أمثلة تعديل وصف التهمة لصالح المتهم إذا عدلت المحكمة وصف التهمة من فاعل أصلي في تزوير إلى اشتراك فيه بناء على عنصر جديد لم يرد في أمر الإحالة (نقض 28 فبراير سنة1956 مجموعة أحكام النقض س 7 رقم 82 ص 271)، أو استبعاد جناية الاختلاس لعدم توافر أركانها ثم إسناد جنحة السرقة إليه استنادا إلى عنصر جديد (نقض 9 يناير سنة 1956 مجموعة أحكام النقض س 7 رقم 9 ص 14). وكذلك الشأن في تعديل وصف التهمة من ضرب أفضي إلى عاهة مستديمة إلى إصابة خطأ، بعد استبعاد المحكمة ركن العمد، لما ينطوي عليه هذا التعديل من اضافة ركن الخطأ حتي يكون المتهم علي بينة مما نسب اليه.