في 9/8/2005، خلال توجهه إلى المجلس التشريعي الفلسطيني، اشتكى أبو مازن من عدم إعطاء الجنسيّة للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية. ربما كانت هذه المرة الأولى التي يدخل فيها هذا المطلب الخطاب الرسمي الفلسطيني. من ناحية أخرى مثلاً، لا تزال حماس تقول بخصوصية وضع اللاجئين الفلسطينيين لإرتباط الأمر بحق العودة. لكن ماذا يعني ما يقوله كلا الطرفان؟ ولماذا يتكلم رئيس السلطة الفلسطينية اليوم عن إجحاف بحق اللاجئين في الدول العربية؟ علماً أنه كان في مواقع مسؤولية منذ أمد طويل! وماذا يعني هذا للاجئين الفلسطينيين في لبنان تحديداً، حيث ظروفهم هي الأصعب بين جميع إخوانهم في الشتات العربي؟
في 9/8/2005، خلال توجهه إلى المجلس التشريعي الفلسطيني، اشتكى أبو مازن من عدم إعطاء الجنسيّة للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية. ربما كانت هذه المرة الأولى التي يدخل فيها هذا المطلب الخطاب الرسمي الفلسطيني. من ناحية أخرى مثلاً، لا تزال حماس تقول بخصوصية وضع اللاجئين الفلسطينيين لإرتباط الأمر بحق العودة. لكن ماذا يعني ما يقوله كلا الطرفان؟ ولماذا يتكلم رئيس السلطة الفلسطينية اليوم عن إجحاف بحق اللاجئين في الدول العربية؟ علماً أنه كان في مواقع مسؤولية منذ أمد طويل! وماذا يعني هذا للاجئين الفلسطينيين في لبنان تحديداً، حيث ظروفهم هي الأصعب بين جميع إخوانهم في الشتات العربي؟
بداية، لا يمكن تحييد آثار التغيّرات الإخيرة في لبنان على وضع اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام، وتحديداُ على طريقة مقاربة كلّ الأطراف المعنية لهذا الملف.
السلطة اللبنانية الجديدة تواجه ضغطاً أميركياً متصاعداً لجمع سلاح المخيمات وللسيطرة الأمنية المباشرة على المخيمات، وقد تكون الإجراءات الأمنية الأخيرة حول المخيمات، عين الحلوة تحديداً، أبرز مثال على ذلك، فهي مطالبة ببسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية وفقاً للغة التي يستخدمها الأميركيين والقرار 1559. لكنها في الوقت ذاته، قامت بإجراء رمزي يسمح للفلسطينيين العمل في لبنان، لكنه حتماً لا يعيد كامل الحقوق المدنية لهم. الطريقة الوحيدة لسيطرة أمنية فعلية على المخيمات هي أن لا تبق مخيمات. سيعني هذا بالضرورة أن لا تبق الكتلة البشرية داخل هذه المخيمات لاجئين. لكن السؤال دون جواب حتى الآن هو ماذا سيُصبح هؤلاء اللاجئون؟ نظرة أقرب قد توضح أنهم لن يصبحوا "عائدون".
السلطة الفلسطينية منهمكة في إنسحاب غزة. وما تزال تصرّ على إعتبار إنسحاب غزة جزءاً من خارطة الطريق. وما تمثله من أفق سياسي وحيد للمفاوضات. دون الخوض في خارطة الطريق ذاتها. منذ التحولات الأخيرة في لبنان، تغيّر التعاطي الرسمي مع موضوع اللاجئين من إنسحاب كامل من هموم الشتات الفلسطيني، إلى تنسيق حثيث مع القوى المعنية لترتيب وضع اللاجئين، تحديداً مع السلطة اللبنانية الناشئة بدعم ورضى أميركي، دعم بحاجة السلطة الفلسطينية هي الأخرى إليه. أتى أبو مازن إلى لبنان مع وفد فضفاض، زار من زار و إلتقى من إلتقى، ثم خرج ليقول نحن مستعدون للتعاون مع الحكومة اللبنانية، ما تقرره الحكومة اللبنانية نحن نقبل به. لا بدّ أن سكان المخيّمات قد ذهلوا من تصريح رئيس سلطتهم. المشكلة الوحيدة في الهذا التصريح الفائق الديبلوماسية هي أن القرار ليس للحكومة اللبنانية. الإدارة الأميركية لم تدعم يوماً حق العودة. وجمع سلاح المخيمات أحد أولويّات مطالبها من الحكومة اللبنانية الجديدة بالإضافة إلى سلاح المقاومة طبعاً. والحال هذه، قد يكون العائق الوحيد أمام رغبة الأميركيين هو التناقضات اللبنانية الداخلية، وليس مقومات صمود غائبة لم توفرها السلطة الفلسطينية أو الحكومة اللبنانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان. قد يدري أو لا يدري أبو مازن، لكن أي قرار بشأن اللاجئين والمخيمات، سيحمل توقيع الإدارة الأميركية. ليس بمقدور السلطة اللبنانية ممانعة الرغبة الأميركية بتجريد سلاح المخيمات ومن ثم توطينهم. فرغم كل شيء، الإنسحاب السوري من لبنان، لم يكن ليحصل، رغم كلّ الإسباب الجانبية الأخرى، لولا الضغط والتهديد الأميركي.
أيام النفوذ السوري على الساحة الفلسطينية قد تكون ولّت دون رجعة. خرج السوريون من لبنان، المنظمات الفلسطينية في الداخل تحاور السلطة حول يوم ما بعد الإنسحاب وأشكال التعاون والحكم في غزّة. المكاتب التمثيلية لبعض المنظمات في دمشق غير كافية لخلق نفوذ كافٍ للنظام السوري في الموضوع الفلسطيني، بل تتحول هذا المكاتب أحياناً عبئاً على دمشق. النظام السوري نفسه في مأزق، ضغط أميركي متواصل، واقع إقتصادي ضاغط. مطالبات بالإصلاح والتغيير قد لا يقو النظام على مقاومتها طويلاً. وإحتلال أميركي في العراق لا يتورّع عن الردّ على الممارسات السورية حتى ولو كانت في لبنان (قابل منع ودر الشاحنات من لبنان إلى سوريا منع مماثل من العراق إلى سوريا). باختصار، أيام الدور السوري الإقليمي إنتهت ولدى سوريا ما يكفي من أزماتها ما يقلّص قدرتها على لعب ورقة فلسطينية ما كما كان في السابق. كما أن أبا مازن مصرّ على المضي في المفاوضات إلى النهاية. خيار المواجهة الذي كانت سوريا تمثله في مرحلة ما، حتماً ليس خيار السلطة الفلسطينية.
التفاوض، وعملية السلام المزعومة برمتها، لاتبقِ مجالاً كبيراً للمناورة لدى الفلسطينيين. التفاوض تغني بأفضل الأحوال، وغالباً ما يغرق في تفاصيل لا تمسي الإهتمام الفلسطيني الشعبي، كالقدس والمياه مثلاً. أما فيما خصّ عودة اللاجئين، لا يزال الخطاب الفلسطيني الرسمي يورده كأحد المسلمات التي لا يمكن التنازل عنها. لكن الأداء الفلسطيني بالذات، ناهيك عن الإسرائيلي والأميركي، لا يبشّر بالخير. وزير الدولة للشؤون الفلسطينية في لبنان، عباس زكي "يخيِّم" منذ فترة غير قصيرة في لبنان. وقد إلتقى كل من سنح له مقابلته. هل يحاول تسريق فكرة ما لدى الأطراف اللبنانية كافة؟ أم أن الأمر لا يتعدى تبليغ الجميع بقرب إنشاء سفارة فلسطينية في لبنان، وأن سلطان أبو العينين هو السفير المرتقب؟
بدون موافقة أميركية على حقّ العودة، يبدو من المستحيل أن توافق، أو أن ترغم إسرائيل على الموافقة عليه. حتى المطالبة الفلسطينية به لوحدها لا تنفع، إذ ما أصبح عادياً، هو إنهيار جولات المفاوضات واحدة بعد الإخرى، وحتى إنهيار ما تمّ الإتفاق عليه سابقاً. أبو مازن يقول الآن بلا ضرورة المقاومة (السفير 20/08/2005)، هل سنسمع لاحقاً بلا ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم؟ بل أكثر، هل يصدّق اللاجئون الفلسطينيون أن سلطتهم تحمل فعلاً همّ عودتهم إلى طاولة المفاوضات؟
الجميع يصالب الآن بتحسين أوضاع اللاجئين في لبنان، مع الحفاظ على حقّ العودة، وبما أنّ الحقوق لا تتجزأ، فهل نتجرأ ونعترف أيضاً بحق من يريد من الفلسطينيين بالبقاء في لبنان لمن أراد؟
لن نخرج من النظرة الفوقية والعنصرية إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ما دمنا نطالب فقط بحقهم بالعودة. فمن حقّ لاجئ فلسطيني ولد وتربى ونشأ في لبنان، أن يبقى في لبنان أيضاً. ولننتبه، كثيراً ما يقرأ حق العودة لدى بعض اللبنانيين كـ "حقّنا بترحيلهم".