وجهات نظر حول قيمة الفن

ان قيمة الفن منوطة , جوهريا , بوجهة النظر المعتمدة . فلو نظرنا من زاوية رؤية اجتماعية , لتبدى لنا الفن ترّهة مجانية , بضاعة مترفة وتسلية سطحية . لو نظرنا من زاوية جمالية جذرية لنزعنا الى اعتباره الحقيقة الصلبة او الوضعية الوحيدة . والاكيد ان الاجتماعية والتجميلية تجربتان تتساويان في استيجاب الرفض . ولكن بأية قيمة ينبغي ان نخص هذه الفكرة العامة عن الفن ؟
يجيب دور كهايم : ( يلبي الفن حاجاتنا الى بث نشاطنا بدون هدف ولمجرد لذتنا في بثه ) . ولكن دور كهايم كان يمقت الاشتراكية المجملة التي كانت مستفحلة في نهاية القرن التاسع عشر . وكان يظن ( ان النشاط الجمالي لا يكون سليما الا اذا كان معتدلا وان الحاجة الى اللعب , الى الفعل بلا قصد ولمجرد لذة الفعل , لا يمكن ان تتعدى تنميتها نقطة معينة , الا اذا اشحنا عن الحياة الرزينة ) . وكان يضيف : ( ان تنمية الملكات الجمالية تنمية مفرطة , انما هي دليل جسيم من الوجهة الاخلاقية ) . ليفي بروهل , وبرونشفيك واخرون ايضا كـ( تولستوي ) الذي يعتبر كتابه ( ما هو الفن؟ ) مطاعة حقيقية ضد الفن الحديث , من النهضة حتى فاغنر ومالاميه , مرورا بجميع المهنيين : عمال الآلة , الصاغة , المزخرفين , الشعراء الرسامين , الموسيقيين الخ ) , جميعهم اكدوا , كل بدوره , ان الفن لا يملك اية قيمة خاصة , والجدل في ذلك قديم و بدأ مع روسو في كتابه ( رسالة الى دالامبير ) مع بوسويه او آرنو في حملاتهما على المسرح , ومع الباتريستيك ( اي دراسة مذهب آباء الكنيسة , ومع كاتون القديم في حرمانيته ضد الفن والترف , ومع افلاطون في جمهوريته . فعندما كان افلاطون يطرد هومير خارج المدينة , مغمورا بالزهور , كان يتخذ صورة دور مهايم الذي عرفناه فيما بعد : كان يستبق هذا التوزيع الاجتماعي للعمل حيث لا مكان للفنان . قضاة او فلاسفة , محاربون , تجار , فلاحون او صانعون , جميعهم حرفيون ليس الا , والفن لا ينتمي اليهم . ودور كهايم يجد حلا لهذه الصعوبة في النظرية الابيقورية في الفن , المنبثق عن التلاعب , قد لايكون الفن مطلقا ( عملا اجتماعيا ) بل تلاعبا , غفلة , مجرد تسلية . الا يلعب الممثل المهزلة ؟ ( يلعب الموسيقى بالكمان ؟ اليس الرسام في جوهره دهانا ؟ مهرج رقاص , مشعوذ , تلك هي الصفات التي يتميز بها الفنانون في عيون طبقة اجتماعية معينة , فالفن , اذا , هو ما يترك على الحساب في الصناعة , وهو ايضا نظرا لترابط صناعتنا واخلاقيتنا , الترفيه الذي تحتقره اخلاقيتنا ) .
قد نعترض , بان موقفنا هذا , موقف ملاشي خليق , فات عهده , واجتماعية هذا القرن تنظر الى الفن بأكثر من العطف , ذاك انها , تدقيقا لم تعد ترى فيه , هذه اللعبة المجانية , هذا النشاط غير اللائق , والعقيم الذي كان يراه في القرن التاسع عشر غالبا .
وقد بين سيد سوريو بشكل مخصوص , في( مستقبل علم الجمال ) التشابه الصاعق بين الفن والصناعة , مفرقا مع ذلك بين الشغل العملي والشغل الفني اللذين نصادفهما في آن واحد , في الفن كما في الصناعة : فعندما يكتفي العامل ( باتباع الآلة ) دون رغبة , دون تقدير للنتائج , وبمقتضى تنفيذ مهني دقيق , يكون ( الشغل عمليا ) , كما ان الحركة ( المحض عادية ) التي يقوم بها فنان معروف يعيد للمرة المائة رسم مستنقع القديس كوكوفا في شهر ايار , الساعة العاشرة صباحا , لان مصرف لوحاته يطلب اليه ذلك , تعتبر شغلا عمليا ايضا , او تعتبر كذلك بدرجة اشد من الشغل الفني الذي ينجزه رسام صناعي يطلب اليه القيام بتصنيع ابتكاري , او مهندس يعطي تعليماته لصنع عربة فاخرة , وهكذا ينبغي ان ننزل الفن والصناعة جنبا الى جنب , في توزيع الشغل الاجتماعي : فأنهما لا يختلفان ( تبعا لصفة الطريقة اليدوية او الآلية ) . ولكن الفن مبتكر والصناعة منتجة , والفن يعتبر اذن روح الصناعة , انه نوع من الصناعة الفائقة , ان لم يكن اجود ما يمكن للصناعة ان تكون , وفي اليونانية , تطلق كلمة الفنون على الاشغال الشديدة الصلابة . فن الحدائق , فن الخزفيات , فن الحدادة , جميعها تشكل نشاطات جمالية ونفعية في الوقت نفسه . ولن نستطيع , فضلا عن ذلك , تخريب الفن دون ان نهدم جميع النشاطات البشرية الكبرى : لان الفن ملازم لجميع تجزيئات العمل الاجتماعي , او بعبارة اخرى ينتمي واياها الى نفس المادة , ومن المتعذر وصوله الى , ومن المتعذر فصله عنها . غير انه ينبغي السعي لمعرفته حيثما وجد لاخراجه من مخابئه الفائقة العد وتحليله حيثما تخفى , كما ينبغي ,نظرا لعدم تمكننا من دراسته خلال تخصيصاته التي لا تحصى , ان نفاجئه في وضع اولئك الذين يعيشونه , يعانونه , ويشعرون به , اما وقد رفضنا ميتافيزيقية الجمال , فلا بد لنا من مراودة نفسانية الفن .

Admin عدد الرسائل : 3514 تاريخ التسجيل : 03/08/2007

» هل اختلاف وجهات النظر يعتبر عقوق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
» الفن بالرمل
» سنجاوي مع الفن
» متحف الفن الإسلامي
» من اجمل لوحات الفن الإيرانى في العالم