سنجاوي في ( مسافرون ) .. مسرحية تعرض هيستيريا العصر وتناقضات
كاتب الموضوع
رسالة
سنجاوى
عدد الرسائل : 264 البلد : مصر تاريخ التسجيل : 04/04/2008
موضوع: سنجاوي في ( مسافرون ) .. مسرحية تعرض هيستيريا العصر وتناقضات الجمعة يونيو 27, 2008 3:40 am
العرض يؤكد على ضياع حقوق الإنسان وشخوصه ليست حالة واقعية
تحريك المجاميع على الخشبة مسألة تحتاج إعادة نظر والعرض
يبشر بقدرات عمانية تحتاج إلى مزيد من التدريب
قُدم يوم الثلاثاء من الأسبوع المنصرم عرض مسرحية ( مسافرون) وهى من تأليف صالح المناعي وإخراج الفنان الشاب سعيد البوسعيدي، عضو بفرقة الدن للثقافة والفن بولاية سمائل. وقام بالأداء مجموعة من الطلبة الهواة بكلية العلوم التطبيقية بنزوى، وذلك بمسرح كلية الحقوق بمسقط . الجدير بالذكر أن هذا العرض هو الثاني لمسرحية (مسافرون)، حيث سبق أن قدم ضمن فعاليات الملتقى الطلابي التاسع لكليات العلوم التطبيقية بصلالة، والذي تنظمه دائرة شؤون الطلاب بوزارة التعليم العالي .
وقد قامت الجماعة بتبني نص صالح المناعي، وهو كاتب مسرحي قطري، غني عن التعريف، له العديد من الكتابات المسرحية وخصوصا المسرحيات ذات الفصل الواحد، ولقد قدمت مسرحية (مسافرون) سابقا على خشبة مسرح دبي الأهلي بدولة الامارات العربية المتحدة عام 1993. وها نحن اليوم نشاهدها مرة أخرى على إيدي هؤلاء الفتية الهواة غير المحترفين، فهم أصروا على أن يخوضوا هذه المغامرة، لتقديم نص ينبض بالعديد من الاختلاجات ذات التيار العبثي الفلسفي الرمزي. وهذا بالفعل حول العرض الطلابي إلى مغامرة مسرحية عفوية، لصعوبة التعامل مع هذه النوعية من العروض، والتي تتطلب جهدا إضافيا من المخرج، ومن الممثل الذي يفترض أن يعبر من خلال جسده وحركة أدائه، أكثر من الدخول في الحوارات السردية التي نجدها في المسرح التقليدي.
وتضمن النص والعرض إشارات تدل على بهتان القيم والمثل في عصرنا الحالي، علاوة على اضمحلال الأخلاقيات ( أخلاق الناس في هذا الزمن)، بالإضافة إلى الدلالات الرمزية الأخرى التي تؤكد ضياع الحقوق الإنسانية لدى الفرد وتحولها إلى مجرد شعارات وخطب جوفاء لا تلامس أرض الواقع الذي نعيشه. كما تضمنت المسرحية التنديد بالواقع السياسي المترهل في الوطن العربي، ويمكن الاشارة إلى بعض القضايا التي جاءت ضمنا في الموضوع العام للمسرحية، مثل: ( الاحتلال -الحكم الوراثي - قضية بدون- الفساد - الزيف - ضياع الحقيقة) .
وتكرر ذكر الرائحة الكريهة والجثث في العرض كنوع من التأفف من الواقع الذي تعيش فيه الشخصيات، حيث لا معنى للحقيقة!!.. فمن يقول الحقيقة هو مختل عقليا!!. وهكذا نجد البعد الفلسفي بارزا من خلال سرد معاناة وآمال وأحلام الشخصيات التي تصور لنا هيستيريا وتناقضات العصر الحالي، فمن يدعي ويكذب ويغش يتبعه الآخرون، ومن يقول الحقيقة ولا يتملق يتنكر له الآخر وينبذه!!.. لأن الناس أصبحت تفضل أصحاب المظاهر الزائفة والذين يحيطون أنفسهم بهالة من الكذب والزيف، ويحققون لهم مصالحهم الدنيوية!. كما تضمن العرض العديد من الاشارات التي تؤكد عبثية النص، فالشخصيات تظهر عائمة في هذا الكون الواسع الذي قارب على النهاية! وهى تشاهد العالم بمنظارها الخاص، فالزمن قد توقف والشخصيات تتحدث برغم تحولها إلى جثث هامدة!!
ولقد دشن العرض أول ملامحه التمهيدية بالكشف عن الممثلين- أبطال العرض- بصورة جماعية دفعة واحدة، حيث بلغ عدد المشاركين ثلاثة عشر ممثلا وممثلة، ستة منهم عبارة عن كورس مسرحي يرتدون زيا موحدا .. مما أوجد عددا كبيرا من الممثلين على الركح، بالرغم من أن النص لم يتضمن سوى خمس شخصيات!! فكيف استطاع مخرج ناشىء أن يتعامل مع هذه المجاميع؟!
وفي الأغلب هذه النوعية من العروض لا تحتمل هذا الحشد الهائل من الممثلين، لكون الشخصيات المسرحية، ليست حالة واقعية، وإنما شخوص رمزية تكمل بعضها بعضا. وبالتالي حتى لو قام المخرج بإنقاص عدد الشخصيات، فلن يؤثر ذلك على الحدث الدرامي، وإنما سيساعد بشكل كبير على مرونة الحركة والأداء التمثيلي لدى تلك الشخصيات على الخشبة، والتي بدت هى الأخرى ضيقة وغير قادرة على استيعاب الممثلين، فجاءت حركة الشخوص بطيئة باستثناء ( الرجل الرابع ) والذي قام بأداء دوره الفنان فيصل العوفي، الذي اتسم بخفة أدائه وقدرته على بروز دوره، وخاصة عندما اتجه إلى مخاطبة الجماهير مباشرة بكسر العلبة المسرحية، ولكن يا حبذا لو قلل من استخدام يديه قليلا، واستخدم مخزونه الذاتي والحركي لمعايشة الدور المسند إليه.
ومن جانب آخر فإن اكتظاظ خشبة المسرح بالكراسي وقطع الديكور من الجانبين، قلص من إمكانية حركة واداء شخوص العرض، ولو رجعنا إلى النص الأصلي سنجد أن المؤلف صور الحدث عند الشخصيات الأربع وهى داخل صناديق تخرج وتنكمش فيها، وتسبح في اللازمان واللامكان مما يؤكد عبثية الحياة بينها، ولكن المخرج كسر حدة الرمزية عندما استخدام الكراسي . وهكذا كان يفضل اللجوء إلى الرمزية، مما يسهل الحركة والأداء الحر وإطلاق طاقات الفنانين الشباب، نظرا لضيق خشبة المسرح . ومما لا جدال فيه، أن هؤلاء الشباب يمتلكون طاقات مخزونة في الأداء والالقاء، والتي لو وظفت بالشكل الصحيح، لأمكن التواصل مع عالمها الداخلي الذي بدا مغيبا إلى حد ما . فالشخصيات كانت تشخص الأدوار، ولا تمثل، نظرا لأن فن التمثيل يرتبط بشكل كبير بالنبش في البواطن الداخلية لأدوات الممثل، كما أن هناك توحدا في مستوى طبقات الصوت أثناء الأداء مما جعله أقرب إلى الاداء المدرسي.
ولقد كانت هنالك مساحة جيدة لإظهار قدرات هؤلاء الفنانين الهواة في الاداء والتشخيص في بعض المواقف الدرامية، وذلك أثناء رواية الرجل الرابع ( قصة الطفل)، حيث كان يمكن استغلال هذه المساحة بشكل إبداعي عن طريق توظيف أدوات الممثل الذاتية، مما يمكن الشخصيات من التحول في طبيعة الدور، لتشخيص أبطال القصة... بينما المرأة تقوم بالتعليق على الأحداث والسرد القصصي . أما بقية الطلبة ( شخوص العرض)، يقومون بمسرحة أحداث القصة، لايجاد فرجة مسرحية داخل العرض، وهذا بدوره سوف يساعد في تطوير الحالة الجمالية والفنية، علاوة على دوره في تصعيد الايقاع العام للعرض المسرحي .
بالنسبة للموسيقى التصويرية التي استخدمت في المقاطع الأولى من العرض، بدت موفقة بشكل جيد، حيث استخدمت لكسر الملل. إلا أنها في أحيان أخرى كانت تهبط عن المستوى المطلوب، في الوقت الذي يفترض أن تتلاءم مع طبيعة الأداء التمثيلي للحدث الدرامي. ولكن بشكل عام، يمكننا القول بأن هناك جهدا مبذولا لتوليف المقطوعات الموسيقية الدرامية.
ومن ناحية أخرى هنالك محاولة لتوظيف تقنيات الاضاءة، إلا أنها لم تتفاعل مع جميع مفردات الحدث، ولم تستطع أن تبرز حركة الممثل عند الحركة على الخشبة، حيث لا نجد أثرا للإضاءة في بعض المقاطع الدرامية، وبالتالي فإن الممثل نراه يتنقل بين مناطق الإضاءة والاظلام، دون أن ينتبه بأن الجمهور لن يستطيع مشاهدته، وبدون معرفة السبب الفعلي لهذا التنقل السريع، ويفترض من المخرج أن يكون حريصا على تنويع الاضاءة بما يخدم الموقف الدرامي، لتكون الاضاءة تحت إدارة الخشبة بشكل محكم ودقيق.
كما نعلم أن الازياء تشكل ركنا أساسيا في سينوغرافيا العرض وجماليته، وهى وسيلة تؤكد الحدث وطبيعة أدوار الشخصيات. بل إنه في أحيان كثيرة تقودنا الأزياء للتعرف على الاتجاه المسرحي للنص.وفي عرض مسرحية ( مسافرون) برزت فنيات تصميم الأزياء من خلال (الكورس)، والذي يفترض أن يكون هو نفسه الشخصيات الأربع، توافقا مع الحدث العام للعرض المسرحي. بالاضافة إلى المكياج التشخيصي الذي أكد هوية الشخصيات، مما دلل على نوعية هذه العروض والتي هى أقرب إلى الرمزية. إلا أن بقية الممثلين كانت أزياؤهم متناقضة مع طبيعة الدور الذي يقومون به، حيث كانوا يرتدون ملابس واقعية تفتقد إلى التجانس اللوني. وهناك واقعية كبيرة أيضا في أزياء الممثلات وخاصة لدى الممثلة التي كانت ترتدي الزي الفلسطيني، مما أوقع العرض في تناقض كبير، ساعد على كسر ( السيمتيرية ) الجمالية التي لو وجدت في السينوغرافيا العامة للعرض، لكانت هنالك رؤية بصرية جمالية، سهلت مسألة تكثيف الأدوار، وجعلها أكثر إيحاء وتأكيدا للفكرة العامة للعرض المسرحي.
ختاما، يبقى عرض مسرحية ( مسافرون) لجماعة المسرح بكلية العلوم التطبيقية بنزوى، حلقة عمل مسرحية تحتاج إلى معالجة فنية، لتوجيه هؤلاء الفتية الهواة الذين يمثلون طاقات شابة عمانية ..علما بأن الملاحظات الواردة لا تجحف العمل المسرحي حقه. ولكن كما أشرنا سابقا بأن هناك بالفعل مغامرة في اختيار نص عبثي ذي بعد فلسفي من قبل شباب هواة ، فكما هو معروف أن هذه النوعية من العروض تحتاج إلى فريق أكاديمي، يستطيع أن يفهم طبيعة هذه النوعية من النصوص، وتكون لديه خلفيات عن بناء الشخصيات ... ويبقى الفن هو مجموعة من التجارب قد تخطىء و قد تصيب، فهى في النهاية تجربة مسرحية تحتسب لهؤلاء الشباب الهواة ولفرقة الدن للثقافة والفن التي احتضنتهم بصدر رحب، وقامت بتقديمهم خارج إطار المؤسسة التربوية.
سنجاوي في ( مسافرون ) .. مسرحية تعرض هيستيريا العصر وتناقضات