لعله اكتشاف طبي جديد، إنّ نقص السوائل يؤدي الى البوح بمكنونات الصدر! وهذا ما حصل لجلال الطلباني الرئيس الذي اعيد تعينه لرئاسة العراق في نيسان 2006 إذ صرّح لاحدى الصحف الاردنية من مستشفاه في مدينة الحسين الطبية، بتصريحات يصعب على اي احد ان يتصور انها تصدر من عمن يعتبره رئيسا لعراق كله!.
الرئيس المناسب في الزمان المناسب وفي المكان المناسب، "العراق الجديد" هي صفة الطالباني، الذي تقلب في بين الشيوعيّة، وتقديم الخدمات لكل الحكومات مع "الجحوش" الذين يعملون في النهار مع الجيش العراقي وفي الليل، هم بيشمركة!.
وبين احواله ومتغيراته فانه لم يكف يوما عن الولاء لايران واليهود والامريكان وكان صراعه مع حليفه اللدود البرزاني، كلّف الاكراد 36 الف قتيل، حتى تدخلت القوات الدولية PMF لفض الاشتباك، والتقريب بين وجهات النظر وتقاسم السلطة على الاكراد بنسبة 50% لكل من الطالباني والبرزاني وهي نسبة ما حصلا عليه من اصوات في الانتخابات التي جرت في الشمال، عندما كان خارج سيطرة الحكومة المركزية.
الطالباني بسبب نقص السوائل قال خروج الامريكان سوف يدفع مئات الالاف من المسحلين الشيعة للسيطرة على بغداد، ومئات الالاف من الاكراد للهجوم على الموصل، ويبدو ان امر كركوك محسوم لديه اذ لم يذكره في الاهداف المستقبلية!، ولان نقص السوائل يمكن ان يؤدي ايضا - فضلا على البوح بمكونات الصدر- الى ضرب من ضروب الغباء السياسي، فان رئيس العراق الجديد، استخدم في تصريحه ضمير المتكلمين "نحن" للحديث عن الاكراد، فعاد الى تعصبه القومي ناسيا ان صوره معلقة على بعض الجدران وقد كتب تحتها رئيس الجمهورية!.
فهل ان البوح بمكونات الصدر هو صنف من اصناف الهذيان، ام ان "مام جلال" يريد ان يوصل رسالة تهديديه غلّفها بالتحذير من "مخاطر" انسحاب الاحتلال على "الوحدة الوطنية في العراق"؟!
نرجّح الاحتمال الثاني، لان للامر جذور وارهاصات، ولكن ما ينبغي الاهتمام به، هو انه بينما فَصلَ الطالباني بين مشروعين وهجومين، فالواقع ان هناك تنسيق قديم بين الشيعة والاكراد، ذلك التنيسق الذين لم تهز جذوره الخلافات الساسية والتكالبات على غنائم الدولة العراقية، والتكتيكات الضرورية لاستخدام اللعبة السياسسة!
نعيد الى الاذهان ما صرّح به عبد العزيز الحكيم في عمان، عند زيارته لها نهاية شهر تشرين الثاني من العام الماضي، والتي تزامنت مع زيارة بوش الى العاصمة الاردنية ولقائه بالمالكي ليبلغه بالتوجيهات التي تستند على الاستراتيجية الامريكية الجديدة، فبعد لقاء الحكيم بالمسؤولين الاردنيين نقل الديوان الملكي الاردني، ايجازا بالمباحثات الاردينة- الحكيمية، وجاء فيها ان الحكيم قال: ان الحرب الاهلية إذا حصلت في العراق، فان الخاسر الوحيد فيها هم "اخواننا اهل السنة"، بعد هذه الفضيحة نكر المجلس الاعلى لما يسمى بالثورة الاسلامية تلك التصريحات، واضطر الاردنيون الى تصحيح ما ورد في الايجاز الديواني الملكي، لكن الرسالة التهديدية للمسلمين السنة العرب وصلت! ذكرنا هذا التصريح لانه يصدر من المصدر نفسه الذي حرّك لسان الطالباني بفعل نقص السوائل!
إذن الرئيس الطالباني يقر بان مئات الالاف من الشيعة المسلحين، ينتظرون خروج الامريكان ليقتلوا اهل السنة ويستولوا على بغداد بعد كسر الطوق السني العربي من حولها، وتقديمها هدية الى "الولي الفقيه"!
واذا كانت قوات بدر تحولت الى منظمة من منظمات المجتمع المدني تمارس التثقيف والاغاثة والسياسة، وتركت سلاحها في قم وطهران، ومادام جيش المهدي منخرطا بالعملية السياسية مؤيدا لها وللخطة الامنية، وافراده لا يحملون السلاح، الا ما يشتريه احدهم من مال جمعه من سرقة قناني الغاز، والملابس من حبال الغسيل، فمن هم اذن مئات الالاف الذين يحملون السلاح وينتظرون خروج الامريكان؟! اما بالنسبة للاكراد فامرهم معلوم واهدافهم واحلامهم وكوابيسهم معلومة أيضا!
وهنا لا بأس من ان نتذكر ما قاله الجنرال كالدويل في تموز عام 2006 عندما حذّر من ان من اسماهم بـ"السلفيين" يستعدون لغزو بغداد، وتابعه المالكي فحذّر من وجود خطط لغزو الكرخ، والمتهم في الحالتين بالطبع هم المسلمون اهل السنة العرب! وكان ذلك كله وما يشابهه من تهم واكاذيب لا يراد منها الا ذر الرماد في العيون.
الاكراد ينسقون مع المليشيات الشيعية، ويتدربون معها في ايران وفي شمال العراق، وكان من ذلك تخرج دورة تدريبية عرضت لقطات لحفل التخرج فيها "قناة المستقلة" في لندن، ويظهر فيها عبد العزيز الحكيم الذي كان في شمال العراق للتفاوض مع الاكراد والتنسيق بشان تأليف الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الثانية التي جرت في 15 كانون الاول، وظهر وهو يصافح اعضاء الموساد الذين اشرفوا على تدريب 1000 عنصر من البيشمركة ومن "البدريين" كما يسمي الطالباني عصابة فيلق بدر!
واليوم وبعد الاتفاق الامريكي مع المالكي، وتوجيه الانذارات المبكرة لجيش المهدي للهرب الى ايران، خصوصا قيادات الصف الاول والصف الثاني، فان 500 من افراد "جيش الامام" يتدربون في شمال العراق ايضا، بعد ان جهزهم الاكراد بالسروال الكردي وحزام القماش والعمامة الكردية، فاذا اكتشف احد الفضوليين ان هؤلاء الـ 500 لا يحسنون من الكردية كلمة واحدة، فان الذريعة الجاهزة، هي انهم قوات شرطة يستفيدون من خبرات البيشمركة المأخوذة من الموساد فكان التحالف الكردي الشيعي!
فاذا سألت عن الغرض من التنسيق واطماع الكراد الجغرافية لاعلاقة لها باطماع الصفويين الجغرافية، اذ ان مجال الاوليين كركوك وبعض الموصل وبعض ديالى، واطماع الصفويين الملحّة بغداد، فالجواب هو ان محّرك الاثنين واحد، بل قل ان المحركين نسقا جهديهما فيما بينهما بسبب وحدة الهدف، الايرانييون يريدون عزل بغداد عن غربها وغرب العراق كله لتسهيل ضمها هي ونفطها بعد طرد المسلمين السنة العرب منها، الى امبراطورية الولي الفقيه، واليهود يريدون غرب العراق كمشروع لا ستيعاب الفلسطينيين، والانتهاء من مشكلة اللاجئين وحق العودة! ولا بد من اشغال المدافعين عن العراق المسلم العربي بشؤون لا تتعدى التفكير بحدود المحافظة الواحدة، بينما يتم الانفراد بالاهداف الاولى!
اصحاب هذا المشروع يفكرون بتفائل قد لا ينسجم مع طبيعة القوى الحقيقية التي تحّرك الاحداث في العراق، وتصوغ مستقبله، ويتناسنون ان اللعب بالنار، يضيف الى اعداد رجال الجهاد والمقاومة الفاعلين، ارقاما هائلة غير محسوبة، تتجاوز واجب الحضانة والدعم وجمع المعلومات ! الى الدفاع عن العراق وهويته بالسلاح.
واصحاب هذا المشروع لم ينتفعوا من الفشل الامريكي، ليجربوا ما عجزت عنه الآلة العسكرية الجهنمية للامريكان، من الاطمئنان في العراق، والدفاع عم عملائهم الذين بات البعض يقول، ان مظلوميتهم السابقة التي يزعمونها، كانت نعمة عليهم، لكنهم اليوم مع جيوش الاحتلال الامريكي، لا يتمتعون بالامان حتى وهم محروسون في المنطقة الخضراء!
واذا حصل ما يخططون له من افتعال صِدام مسلح وعدوان، فليس امامهم من يلومونه، الا الطالباني لانه انساق وراء علته في نقص السوائل، والا الحكيم الذي انساق وراء احلامه فسبق لسانه عقله!.