نشر مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الكونجرس الامريكي الارقام التالية عن تسليح 16 دولة عربية واسرائيل عام 2003 :
اسرائيل
الدول العربية
بيان
4000
11000
70
655
172
5
9
20000
25000
434
2900
1400
300
50
الدبابات
الناقلات المدرعة
سفن وطائرات النقل
طائرات مقاتلة
القوات المسلحة (بالالف)
السكان (مليون )
شراء السلاح (بليون دولار)
والارقام السابق بيانها حين النظر اليها من حيث الكم فقط يخرج الناظر بانطباع اولي أن ما لدى اسرائيل قياسا بالدول العربية الستة عشر عبارة عن 20 % من الدبابات و 44 % من الناقلات المدرعة ، و 16 % من سفن وطائرات النقل ، و 22.6 % من الطائرات المقاتلة ، و 12.3 % من القوات المسلحة ، و 1.6 % من السكان ، و 18 % من تكلفة شراء السلاح . وبالتالي فالدول العربية الستة عشر متفوقة بالعدد على اسرائيل بنسبة 500 % بالدبابات ، و 227 % بالناقلات المدرعة ، و 620 % بسفن وطائرات النقل ، و 443 % بالطائرات المقاتلة ، و 814 % بعدد الجنود ، و 6000 % بالسكان ، و 555 % بالانفاق على شراء السلاح . وبالنتيجة فالبون بعيد جدا بين امكانيات وقدرات الدول العربية واسرائيل .
غير أن الأمر مختلف جدا ، إن لم يكن مناقضا تماما للانطباع الاولي ، عندما ينظر في الأرقام السابق بيانها نظرة موضوعية ، تأخذ في الحسبان تاريخ الصراع العربي – الصهيوني ، ومعطيات الواقع العسكري والاقتصادي والاجتماعي لدى الطرفين ، وعلاقات كل منهما الاقليمية والدولية . وفي ايضاح ما ادعيه من انعدام الموضوعية بالوقوف عند الارقام المجردة اسجل الملاحظات التالية :-
1 – لم تقاتل الدول العربية مجتمعة إلا سنة 1948 ، ويومها كانت جميع الدول السبع التي شاركت في القتال محدودة القدرات العسكرية ، وبين معظمها وبريطانيا - حليفة الصهاينة الاستراتيجية - معاهدات تتحكم بحراكها السياسي وادائها العسكري . والثابت تاريخيا أن الجيوش السبعة كانت متناقضة دوافع التحرك وغاياته ، فضلا عن فقدانها وحدة القيادة . وفي توصيف الحالة العربية يومذاك قال المفكر القومي ساطع الحصري : سئلت لماذا هزمنا في فلسطين ونحن سبعة جيوش ، فاجبت هزمنا لاننا سبعة جيوش . ولما يزل واقع التشرذم هو الذي يحكم الموقف العربي في مواجهة اسرائيل . وعليه فإنه مما يجافي الموضوعية مقارنة ما لدى الدول العربية مجتمعة من سلاح وجنود بما تمتلكه اسرائيل ، ما دامت المشاركة العربية الجماعية لم تحدث بعد سنة 1948 .
2 – في جميع حروب اسرائيل مع العرب كان تعداد جنودها في الميدان أكثر من ضعفي عدد الجنود العرب . ففي مارس / آذار 1948 – كما تذكر المصادر الاسرائيلية – كان لدى الصهاينة مائة ألف مقاتل مدرب ومسلح ، بينهم عشرون ألف فتاة ، منهم نحو أربعين ألفا شاركوا في الحرب العالمية الثانية ضمن جيوش الحلفاء . وبالمقابل لم يجاوز من شاركوا في حرب فلسطين من الجيوش العربية السبعة يومذاك الخمسة والعشرين ألفا – حسب اوثق المصادر – فيما لم يجاوز المتطوعون في "جيش الانقاذ" و"الجهاد المقدس" السبعة آلاف . ناهيك عن التمايز الكيفي لمصلحة الصهاينة في التدريب والسلاح .
وعندما غزت اسرائل لبنان في حزيران / يونيو 1982 القت في الميدان قرابة ثمانين الفا في مقابل ما لا يزيد عن ثمانية آلاف مقاتل من الفدائيين الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية . وما بين 1948 و 1982 لم يختلف الحال من حيث تفوق الصهاينة في تعداد الجنود ، وكميات ونوعيات السلاح ، ومستويات القيادة والتدريب ، وكفاءة الامكانيات اللوجستية : وبعد سنة 1973 لم تخض اسرائيل حربا نظامية مع أي جيش عربي .
3 – ليست اسرائيل بالدولة الطبيعية النشأة والدور ، وانما هي كيان مصطنع اقيم على التراب العربي في فلسطين ، بقرار استعماري استراتيجي ، لتكون اداة قوى الاستغلال في كبح ارادة الوحدة والتحرر والتقدم العربي . وبحكم علاقتها العضوية بعمقها الاستراتيجي على جانبي الاطلسي كان هناك ، ولا يزال ، التزام دولي بأن تكون متفوقة استراتيجيا بالسلاح على محيطها العربي . فضلا عن أن اسرائيل لم تخض حربا ضد الانظمة الرسمية العربية أو منظمات المقاومة ، إلا وهي تحظى بدعم ومساندة حلفائها الاستراتيجيين . والذي يذكر أنه في مرحلة الاعداد للعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 أصر بن غوريون في لقاء سيفر – بقرب باريس – على أن يحصل على ضمان انجليزي – فرنسي بعدم ترك اسرائيل وحدها في الميدان ، بعد أن عهد اليها المبادرة بالعدوان يوم 29/10/1959 ليلحق بها الحليفان الانجليزي والفرنسي بعد يومين إن لم يخضع عبدالناصر لشروط الغزاة . وفي كل الحروب التالية حظيت بدعم سياسي وعسكري من حلفائها الاستراتيجيين . الأمر الذي لم يتيسر ما يساويه ، أو يقاربه ، لأي دولة عربية تصدت للتحدي الاستعماري الصهيوني .
4 – لم تعرف البشرية من بعد "اسبارطة " مجتمعا عسكري البنية عدا اسرائيل . ولطالما قيل بأن الدول تنشىء قوات مسلحة ولكن القوات المسلحة هي التي اقامت اسرائيل على شكل القلعة المسلحة . وغير دقيق القول بان تعداد الجيش الاسرائيلي 172 الفا سنة 2003 . ذلك لأن هذا الرقم قد يكون تعداد الجيش النظامي ، في حين أن باستطاعتها استدعاء ضعفي الجيش النظامي من ضباط وجنود الاحتياط المدربين خلال 48 ساعة . وذلك فضلا عن أنها في كل حروبها كانت تستقبل آلاف "المتطوعين " العسكريين ، اليهود وغير اليهود ، العاملين في الجيش الامريكي وغالبية الجيوش الاوروبية .
5 – كما أنه غير دقيق حصر مقارنة تكلفة السلاح بمشتريات اسرائيل من السلاح . إذ أنها تتلقى معونات عسكرية بلا مقابل من أصل المعونة الامريكية التي تزايدت على نحو طردي منذ سنة 1965 . وفضلا عن ذلك هي اليوم من الدول المنتجة والمصدرة للسلاح . والثابت أن صناعة السلاح الاسرائيلية نمت وتطورت بدعم مالي وتقني وعلمي امريكي وأوروبي . وعلى العكس من ذلك كان هناك - ولا يزال – قرار دولي استراتيجي بحرمان العرب من الاستقلال في صناعة سلاحهم . ويكفي التذكير بالدور الامريكي – الأوروبي في امتلاك اسرائيل ترسانة من السلاح الذري والاسلحة الكيماوية والبيولوجية ، في مقابل الموقف الرافض امتلاك أي دولة عربية أي قدر من هذه الاسلحة ، والعدوان الامريكي – البريطاني على العراق مثال صارخ .
6 – يقينا ان المشرفين على مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الكونجرس لا يجهلون أيا من الحقائق الخمس السابق ذكرها ، وهم يعرفون انهم بالمقارنة التي اوردوها يجافون الموضوعية . غير أنها مجافاة غائية مقصود منها أن يستحضر قارىء الارقام الاسطورة التوراتية عن الفتى "داوود" الذي صرع بمقلاعه "جوليات" ضخم الجثة المدجج بالسلاح . وهي صورة نمطية طالما عملت اجهزة اعلام التحالف الاستعماري – الصهيوني على تكريسها في الاذهان لتحقيق هدفين : تأكيد التفوق والابداع الصهيوني في مقابل التخلف والعجز العربي من ناحية ، وتبرير تواصل دعم ورعاية اسرائيل برغم صيرورتها دولة اقليمية القدرات عالمية الطموحات .
7 – الذي فات الحريصين على تكريس اسطورة "داود" و"جوليات" أن المواقف تبدلت ، منذ ان غدت المقاومة الشعبية هي التي تتصدى لتحدي التحالف الاستعماري – الصهيوني ، ونجحت ارادة المقاومة وثقافة الاستسشهاد في تقديم المعوض الموضوعي لتفوق اسرائيل في الامكانيات والقدرات العسكرية . والعالم كله يشهد اليوم "داوود" العربي يصارع "جوليات " الصهيوني وحلفاءه على جانبي الاطلسي . ومثل هذه المقارنة من المستحيل ان يجريها مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الكونجرس الامريكي ، غير أنها المقارنة التي ينبغي ان يجريها كل مفكر ومثقف عربي يظن أنه يقوم بعمل تحريضي عندما يبرز ارقام المقارنة الامريكية ، ويسقط من حسابه أنه في زمن المقاومة الاولوية القصوى لما يعزز ثقة الشعب بالمقاومة وادائها المتميز ، ودون ذلك رقص على طبول الاعداء واعادة انتاج مقولاتهم العنصرية .