أسترجع اللحظات التى صاحبت وفاة والدتى - أسأل الله أن يرحمها ويرفع درجاتها فى الجنة وأن يغفر لها ولمن قال آمين - فى نهاية عام 2004 وما أصعبها من لحظات ، وبرغم كون فقد العزيز بصفة عامة مؤلماً للنفس البشرية لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تألم قلبه وحزن ودمعت عينه لوفاة ولده إبراهيم ، وبرغم حبى الشديد لأمى وارتباطى بها وارتباطها بى سيما وقد أصيبت فى السنة الأخيرة من حياتها بشلل نصفى _ أسأل الله أن يعافى جميع المسلمين ويعفو عنهم _ غير أننى ويشهد الله على ذلك لم يصبنى الألم بسبب فقد الأم لوفاتها بقدر ما أصابتنى الحسرة الشديدة والخوف عندما ظل هذا الصدى يتردد فى أذنى منذ سمعت خبر وفاة أمى ولأيام عديدة وما زال يتردد رغم مرور سنوات على وفاة أمى قائلاً ومردداً " يا ابن آدم ماتت التى كنا نكرمك من أجلها فاعمل صالحاً نكرمك من أجله " .
وأذكر أنى قد دخلت فى نوبة بكاء شديد رغم أنى حينها كنت على مشارف الأربعين من عمرى ، وتذكرت مشاهد عملية كانت تنطق بأن الله يكرمنى من أجل أمى حال حياتها ومن ذلك أنى كنت - وما زلت - أعمل فى دولة قطر بعيدأ عن مصر الحبيبة وكانت أحياناً تمر على لحظات عصيبة تنتابنى فيها الهموم بسبب الضغوط فى العمل وفى التجارة وفى أمور حياتية متعددة فضلاً عن انشغالى بزوجتى وأبنائى الثلاثة وبتأمين مستقبلهم بفضل الله ومنه ، وكنت عندما تشتد على الأمور وأشعر بالضيق أو الغم أو الهم أو الاحباط أو غير ذلك وأجدنى عاجزاً أقوم ببساطة باجراء مكالمة تليفونية الى مصر الحبيبة نصها كالتالى :
ألو :
السلام عليكم
ازيك يا أمه
ازيك انت وازى عيالك ومراتك
كلهم بخير المهم انتى يا امه صحتك عامله ايه
نحمدالله
ادعيلى يا امه
ما انا داعيالك على طول ومش ببطل يا بنى
لا عاوزك تدعيلى دلوقتى وانتى معايا على التليفون
روح يا حبيبى ربنا يحبب فيك خلقه ويباركلك فى مالك وعيالك ويصلح حالك ويهدى سرك
ابعتلك حاجه يا امه
ربنا يبعتلك الستر ويجعل التراب فى ايدك دهب
يعنى مش محتاجه فلوس
ربنا ما يحوجك لحد ويحبب فيك كل من تولى عليه
بكاء ثم كلام ثم سلام على أمل اللقاء فى مكالمه تاليه...
أيها الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات ...يشهد الله أن هذه المكالمة وحدها وما فيها من دعوات صدرت من أم مسنة مريضة غير متعلمة " فلاحه" كانت تغير حالى بفضل الله فى نفس اليوم لدرجة أننى كنت أصاب بالدهشة أحياناً من تغير بعض الأمور فى حياتى أو المواقف فى يوم واحد فأحياناً تكون هناك صعوبة فى أمر ما أو مشكلة فى العمل أو التجارة فى صباح يوم ما وبعد مثل هذه المكالمة لا يأتى المساء إلا وقد حلت المشكلة أو انتهت الصعوبة ولذلك فعندما ماتت أمى فلقد بكيت على نفسى أولاً لما أعرفه فيها من ضعف وتقصير فى جنب الله كان وجود أمى باباً من أبواب رحمة الله التى تتدارك ذلك الضعف والتقصير ، وعلمت أنى على الاجتهاد أكثر فى الطاعة حتى أعوض انغلاق ذلك الباب .
فيا من ماتت أمه أو أمها يرحم الله أمهاتكم وأموات المسلمين ..وتذكروا أن رحمة الله قريب من المحسنين فاعملوا صالحاً وسارعوا فى الخيرات وادعوا الله رغبا ورهبا .. والله أسأل أن يقبلنا جميعاً ويقبل منا وأن يوفقنا لكل ما يحب ويرضى . والسلام على من اتبع الهدى