[size=18]
هي: صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن عامر بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم من بني إسرائيل
من سبط هارون بن عمران عليه السلام، وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل من بني قريظة إخوة النضير (1).
وقال صاحب الإصابة: هي من سبط لاوى بن يعقوب ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام (2) وقال أبو عمر: صفية بنت حيي من سبط هارون بن عمران عليه السلام (3).
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية عند ذكره قصة موسى عليه السلام.
إن تفسير الشريعة الموسوية كان لهارون وبنيه عليه السلام.
وإن الله تعالى جعل هذا الحق لهم لا يشاركهم فيه أحد من بقية أسباط بني إسرائيل، والتوراة الحاضرة تقول بهذا (4).
ومفسروا أهل الكتاب يقرون بهذه الحقيقة ولا يختلفون عليها.
وذكرت التوراة الحاضرة.
أن الله تعالى حدد لهارون وبنيه رداء
وملابس يلبسونها عند إجتماعهم في خيمة الإجتماع، وهي المكان الذي كان موسى عليه السلام يتعبد فيه ومنها تخرج تفسير الشريعة لبني إسرائيل.
مما ورد في ذلك: قال الرب لموسى (تقدم هارون وبنيه إلى باب خيمة الإجتماع، وتغسلهم بماء وتلبس هارون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي، وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم كهنوتا أبديا " في أجيالهم) (1) وتذكر التوراة إن موسى عليه السلام فعل ما أمر به الله.
ومما
ورد في ذلك (فقدم موسى هارون وبنيه وغسلهم بماء.
وجعل عليه القميص.
وألبسه الجبة وجعل عليه الرداء...ووضع العمامة على رأسه...ومسحه لتقديسه...ثم قدم موسى بني هارون وألبسهم أقمصة...كما أمر الرب موسى) (2).
وذكر مفسروا أهل الكتاب.
إن المسح على هارون وبنيه يعنى تطهيرهم بحيث لا يكون للشيطان فيهم نصيب، لأن من نسلهم يخرج الأنبياء، ولأن هارون وبنوه لهم وحدهم حق تفسير الشريعة.
عصمهم الله من الخطأ وجعلهم إسوة حسنة ليقتدي بهم أسباط بني إسرائيل.
ومما ورد في التوراة الحاضرة (وكلم الرب هارون قائلا ": خمرا " ومسكرا " لا تشرب أنت وبنوك معك...للتميز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر.
ولتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي كلم الرب بها بين موسى) (3).
وتذكر التوراة الحاضرة إختلاف بني إسرائيل من بعد موسى وهارون عليهما السلام.
وتفرقهم وإنقلابهم على أبناء هارون عليهم السلام وقتل الأنبياء والربانيون منهم على إمتداد المسيرة الإسرائيلية (4) ولقد أشار القرآن
الكريم إلى هذا الفساد وأخبر بأنهم إختلفوا وتفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا " بينهم.
وعلى إمتداد مساحة الإفتراق ضاع كثير من الهدى، وبدل وأخفي
الأكثر مما ترك آل موسى وآل هارون عليهم السلام، وشاء الله تعالى أن يبعث لهم طالوتا " ملكا " عليهم.
لتطوق الحجة أعناق هذه الأجيال المعاندة وكان لطالوت علامات محددة يعرفونه بها.
ومنها قوله تعالى (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة.
إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) (1) قال ابن كثير: عن عطية بن سعد قال: فيه عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون ورضاض الألواخ (2).
وبعد ظهور هذه الآيات وغيرها لم تلبث المسيرة الإسرائيلية حتى إختلفت وتفرقت بعد عهد سليمان عليه السلام.
وتوارث أنبياء بني إسرائيل ثياب آل هارون على إمتداد المسيرة وكانوا يفسرون الشريعة ويقيمون الحجة على إمتداد الأجيال حتى بعث عيسى بن مريم عليهما السلام.
وكانت مريم من آل هارون من سبط لاوى.
(3).
وبعد أن رفع الله المسيح بن مريم عليهما السلام.
إحتوى اليهود النصارى بواسطة بولس.
وعلى هذه الخلفية حمل اليهود بعض من بقية ما ترك آل موسى وآل هارون.
وإنتهى هذا الأثر إلى حيي بن أخطب الذي كان يتفاخر على اليهود بأنه من ذرية هارون عليه السلام.
وكان اليهود في الحجاز يتباركون بما لديهم من آنية مقدسة تحمل معالم آل موسى وآل هارون.
حركة اليهود تجاه الدعوة الخاتمة: كانت طوائف من اليهود قد هاجرت من بلادها إلى الحجاز وتوطنوا بها وبنوا فيها الحصون والقلاع.
وزادت نفوسهم وكثرت أموالهم وعظم أمرهم.
وكان في مقدمة الذين هاجروا كبار الأحبار.
وكانت مهمتهم تنحصر في البشارة بالنبي الخاتم الذي يبعثه الله من أرض الحجاز، وعندما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينصت الذين كفروا من بني إسرائيل لصوت الحجة الدامغة.
وصدوا عن سبيل الله قال تعالى (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا.
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) (1).
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ودعاهم إلى الإسلام استنكفوا عن الإيمان به، وكان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.
وهؤلاء كانوا يقيمون في قراهم المحصنة.
وتفرع من هذه البطون أقوام سكنوا خيبر وفدك ووادي القرى.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح اليهود وعاهدهم بكتاب بينه وبينهم.
ولكن اليهود لم يحفظوا العهد ونقضوه.
وكان هذا مقدمة لغزو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقراهم المحصنة.
وروي أن بني قينقاع نكثوا العهد في غزوة بدر.
فسار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد بضعة وعشرين يوما " من وقعة بدر.
فتحصنوا حصونهم فحاصرهم أشد الحصار فبقوا على ذلك خمسة عشر يوما ".
ثم نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفوسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم.
فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن
يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها.
فخرجوا إلى أذرعات الشام ومعهم نسائهم وذراريهم.
وقبض منهم أموالهم غنيمة الحرب.
أما بنو النضير.
فلقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج إليهم في نفر من أصحابه بعد أشهر من غزوة بدر وكلمهم أن يعينوه في دية رجلين قتلهم عمرو بن أمية القمري.
فقالوا: نفعل يا أبا القاسم.
أجلس هنا حتى نقضي حاجتك.
فخلا بعضهم ببعض.
فتآمروا بقتله.
واختاروا من بينهم عمرو بن جحاش أن يأخذ حجر فيصعد فيلقه على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويشدخه به.
وحذرهم سلام بن مشكم وقال لهم: لا تفعلوا ذلك فوالله يخبرن بما هممتم به.
وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
فجاءه الوحي وأخبره ربه بما هموا به.
فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مجلسه مسرعا " وتوجه إلى المدينة.
وقال لمحمد بن سلمة الأنصاري: إذهب إلى بني النضير فأخبرهم إن الله عز وجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر.
فإما أن تخرجوا من بلدنا وإما أن تأذنوا لحرب.
فقالوا: نخرج من بلادك.
فبعث إليهم عبد الله بن أبي - وكان رأس النفاق يومئذ وكانوا حلفاؤه - لا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمدا " الحرب.
فإني أنصركم أنا وقومي وحلفائي.
فإن خرجتم خرجت معكم وإن قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا بينهم حصونهم وتهيئوا للقتال.
وبعث حيي بن أخطب ملك بني النضير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع.
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكبر وكبر أصحابه.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريظة.
وعندما حاصرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الحصار.
بعثوا إليه: يا محمد نخرج من بلادك فأعطنا مالنا.
فقال: لا ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل.
فلم يقبلوا ذلك.
فبقوا أياما ".
ثم قالوا: نحرج ولنا ما حملت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئا ".
فمن وجدنا معه شيئا " من ذلك قتلناه.
فخرجوا على ذلك.
وروي عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن دمائهم وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم وأن يسيرهم إلى أذرعات بالشام.
وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا " وسقاء.
فخرجوا إلى أذرعات بالشام وأريحا إلا أهل بيتين منهم: آل أبي الحقيق، وآل حيي بن أخطب.
فإنهم لحقوا بخيبر.
ولحقت طائفة منهم بالحيرة (1).
أما بنو قريظة.
فقد كانوا على الصلح والسلم حتى وقعت غزوة الخندق.
وبداية الغدر صنعها حيي بن أخطب رئيس بني النضير الذي سمح له أن ينزل بخيبر.
وروي أن حيى بن أخطب كان قد ركب إلى مكة.
وحث قريشا " على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وحزب الأحزاب.
وركب إلى بني قريظة وجاءهم في ديارهم يوسوس إليهم ويلح عليهم لنقض العهد ومناجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وعندما رضوا بما قاله لهم إشترطوا عليه أن يدخل في حصنهم فيصيبه ما أصابهم فقبل
ودخل.
فنقضوا العهد ومالوا إلى الأحزاب الذين حاصروا المدينة، ولقد روى كثير من المفسرين غدر بني قريظة وما حدث يوم الخندق منه ما روى عن محمد بن كعب القرظي وغيره من أصحاب السير.
قالوا: كان من حديث الخندق.
أن نفرا " من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب في جماعة من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم.
خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقالوا: إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم.
فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود.
إنكم أهل الكتاب الأول.
فديننا خير أم دين محمد ؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه.
فأنتم أولى بالحق منه.
فسر قريشا " ما قالوا.
ونشطوا بما دعوهم إليه فأجمعوا لذلك واستعدوا له.
وفي هؤلاء أنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا " من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " - إلى قوله تعالى - وكفى بجهنم سعيرا ").
ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبروهم إنهم سيكونون عليه وأن قريشا " قد بايعوهم على ذلك.
فأجابوهم فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب.
وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصين في فزارة، والحارث بن عوف في بني مرة، ومسعر بن جبلة الأشجعي فيمن تابعه من الأشجع.
وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد.
فأقبل طليحة فيمن اتبعه من بني
أسد.
وكتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن أتبعه من بني سليم مددا لقريش.
فلما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب الخندق على المدينة.
وكان الذي أشار إليه سلمان الفارسي ولما فرغ رسول الله من الخندق.
أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف (1) والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى
سلع (1) في ثلاثة آلاف من المسلمين.
فضرب هناك عسكره.
والخندق بينه وبين القوم (2) وبعد أن نجحت دسائس اليهود وتحركت قريش وغيرهم، روي أن حيي بن أخطب النضيري خرج حتى أتى كعب بن أسيد القرظي صاحب بني قريظة.
وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قومه وعاهده على ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه.
فإستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه: يا كعب إفتح لي.
فقال: ويحك يا حيى.
إنك رجل مشؤوم.
إني قد عاهدت محمدا " ولست بناقض ما بيني وبينه.
ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ".
قال: ويحك إفتح لي حمى أكلمك.
ففتح له: فقال: ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام (3) جئتك بقريش على قادتها وسادتها.
وبغطفان على سادتها وقادتها.
قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا " ومن معه.
فلم يزل حيي بكعب.
يفتل منه في الذروة والغارب (4) حتى سمح له
على أن أعطاه عهدا " وميثاقا " لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا "، أن أدخل معك في حصنك.
حتى يصيبني ما أصابك.
فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
9 وفي غزوة الأحزاب أخزى الله تعالى الذين إجتمعوا على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي هذه الغزوة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود.
فلم يبق بيت من بيوت المشركين إلا قد دخله وهن بقتل عمرو، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو.وفي هذه الغزوة بعث الله تعالى على أعدائه ريحا " وجنودا " تفعل بهم ما تفعل.فلم يستمسك لهم بناء ولم تثبت لهم نار ولم يطمئن لهم قدر.فرجعوا كيدهم في نحورهم ولم ينالوا شيئا " مما تعاهدوا وتكاتفوا عليه.