ومنذ القرن التاسع عشر جاهر كيزو بالقول: اذا اردتم روايات فاقرؤوا التاريخ لكن يبدو اليوم ان المبادئ قد انعكست فنجاح شيفرة دافنشي يجعلنا نطرح سؤالا متميزاً: هل من حقنا اللجوء الى افشاء اسرار التاريخ تحت غطاء الرواية!
فقبل ان يحقق هذا الكتاب الرقم القياسي في مبيعات الكتاب على الصعيد العالمي كانت الاوساط الجامعية قد غضت الطرف عن هذه الحبكة التي تم احكامها باتقان والتي ترتكز على مجموعة من احداث تاريخية لا يقبلها العقل, وبعد كل ما حصل قيل انها كانت للتسلية والترويح عن النفس مع ان الكاتب لم يبرزها هكذا وبعنونته لبعض الوقائع ترك دان براون قارئه يعتقد ان كل وصوفات الامكنة الاثرية والاعمال الفنية والمستندات والطقوس السرية التي ذكرت في الرواية مثبتة ومحققة.
وباللعب على الكلمات يقود دان براون قارئه الى الاعتقاد ان هذه المؤامرات القديمة المذكورة في الرواية هي وقائع حقيقية. وكثيرون خدعوا بذلك لكن اي طالب يدرس التاريخ يعلم جيدا ان رئاسة دير سيون الذي تقوم عليه حبكة الرواية لم توجد على الاطلاق في العصور الوسطى بل انها ألعوبة تاريخية تم اختلاقها خلال اعوام 1950 ورغم ذلك فإن بعض الصحف مثل نيويورك ديلي نيوز لم تمتنع عن الكتابة بأن بحث دان براون لاغبار عليه وبعيد عن الخطأ.
اذا كان هؤلاء قد تعثروا واوقعوا القراء في الخطأ او خدعوهم فمن المهم ان نتساءل اين يمكن ان يقودنا هذا ( الخلط من الانماط) ففي هذا الزمن الذي يحب الخلط نجد ان سلاسل من الكتب الغامضة تتضاعف.. روايات بوليسية, روايات تاريخية مذكرات لتجنب هذا الالتباس يجب العودة الى بعض المبادئ البسيطة لأنه وبحجة ان التاريخ معقد ويخبئ اشياء كثيرة علينا ان نتساهل وان نتقبل كل ما يقدم الينا , فعندما يؤكد كاتب رغبته باظهار حقيقة مجهولة على حد زعمه ليست الرواية هي النموذج الملائم لكشف اسرار التاريخ .
بما لا يقبل الجدل الرواية هي فن ابداعي حر بينما التاريخ لا يتمتع بحرية الرواية طبعا وهذا ما يقيده ويضع حدودا امامه رغم قوته الاستكشافية لكن من المؤكد ان الرواية والتاريخ لايتعارضان فالتاريخ علم غير مضبوط وكلنا يتذكر مقولة نابليون: ( التاريخ كذبة لا احد يجادل فيها )..
الكاتب والمحامي جان كلود زيلبرستيان يتحدث عن علاقات عاصفة بين الرواية والتاريخ ويقول: ان الانكليز سيطروا تماما في هذا المجال وله مجموعة روايات تاريخية تشهد على تذوق الفرنسيين لهذا النوع من الروايات يقول:
بتلازم التاريخ والرواية يمكن للقارئ ان يتثقف ويروح عن نفسه بآن واحد لأن الرواية التاريخية هي منطلق مثالي للجمع بين الثقافة والسرد الروائي وقد احرز الانكليز تقدما في هذا المجال فهم يجيدون تماما الجمع بين الحبكة والمعرفة التاريخية دون ان يضر احد النوعين بالآخر بينما في فرنسا هناك صعوبة في ايجاد هذا التوازن الحساس فاما ان يمنح الروائي التاريخ امتيازا او انه لا يتمكن من السيطرة على الماضي وعرضه بالشكل المطلوب وبالتالي فالزخرفة التاريخية توحي لنا بالتمويه والسطحية والضعف, وفي سؤال الى الكاتب المحامي ما اذا كان هدف الروايات التاريخية هو كشف الوقائع المجهولة يقول:
إما ان يكون لدى المؤلف الشجاعة لاجراء بحث حقيقي حيث يعرض طريقته ويقدم فرضياته واستنتاجاته وبالتالي يتعرض الى نقد لاذع من قبل المؤرخين او انه يضطلع تماما بدوره كروائي دون ان يكون لديه اي طموح بكشف اسرار التاريخ وانا اوجه اللوم للروائيين الذين يستغلون وقائع مختلفة ويدعون بأنهم عهدوا بالحقيقة الينا, وما يفعلونه تحت غطاء الرواية يبدو لي انه يستوجب النقد اخلاقيا حتى ان بعض الوقائع تتعرض للعقوبات القضائية عندما تمس بالحقوق الشخصية لذلك فالامور بالنسبة للروايات التاريخية هي اكثر تعقيدا ومن المؤكد ان المحاكم لن تحاكم التاريخ ولا تستطيع ان تطلق احكاما عشوائية, ومن الافضل القول ان استخدام الرواية للوصول الى بحث تاريخي هو الطريق الاسلم والاسهل والذي قال ان الخلط بين الصح والخطأ هو اسوأ من الخطأ كان مصيبا في مقولته.