ويروى أنه لما ورد رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية ومعه جماعة من أهل البيت وجلّهم من النساء، قال يزيد: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، فقالت سكينة بنت الحسين: يا يزيد أبنات رسول الله سبايا؟ قال: يا ابنة أخي هو والله أشدُّ عليَّ منه عليك، وقال كلاماً يشتم فيه عبيد الله بن زياد [ ولعل منه ما رواه يونس بن حبيب : أن يزيد كان يقول: وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي، وحكّمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وهن، حفظاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاية لحقه، لعن الله ابن مرجانة ـ يعني عبيد الله ـ فإنه أحرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني، فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون، وزرع لي في قلوبهم العدواة" (). ثم قال: رحم الله حسيناً لَودِدت أن أُتيت به سِلمًا.
ثم أمر بالنساء فأدخلن على نسائه، وأمر آل أبي سفيان فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام، ثم أمر بتجهيز نساء آل البيت وإعادتهن إلى المدينة معزّزات.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بأن ابنه وحبيبه سوف يقتل على يد مسلمين، فقد روى أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: "لا تُبَكُّوا هذا" يعني حسيناً، فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : لا تدعي أحدا يدخل، فجاء حسين فبكى، فخلته يدخل، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال : نعم ، وأراه تربته. إسناده حسن كما قال الإمام الذهبي.
وقد بقي هذا اليوم دامياً في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم ينسوه لأهل العراق الذين حضروا مصرع الحسين دون أن يدافعوا عنه، ففي البخاري عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ كُنْتُ شَاهِدًا لِابْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ فَقَالَ مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا*.
وأما عن علاقته بعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ممن يظن بعضهم أنه كان بينهم ما يسوء، فقد روى الإمام الذهبي أخباراً عديدة أسانيدها صحيحة، تدل على مكانة خاصة للحسين في قلب عمر رضي الله عنه، منها، أنه قال له: "أي بني وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم، ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني! لو جعلت تأتينا وتغشانا". وكان يفرض له خمسة آلاف مثل أبيهم رضي الله عنه، وحين كسا أبناء الصحابة لم يجد ما يناسب الحسنين، فبعث إلى اليمن فأتي بكسوة لهما، فقال: الآن طابت نفسي. وبينا عمرو بن العاص رضي الله عنه في ظل الكعبة إذ رأى الحسين فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
اللهم إنا أحببنا الحسن والحسين وأمّهما وأباهما وعِترتهما الصالحة؛ لحبّنا لنبيك صلى الله عليه وسلم فاجعلنا يوم القيامة مع من أحببْنا.
اللهم صلّ وسلم عليهم جميعاً، وصلّ وسلّم على نبيك محمد خاصة، وعلى آله أجمعين وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين