masriaana المدير العام
عدد الرسائل : 1350 العمر : 43 تاريخ التسجيل : 04/08/2007
| موضوع: روحانية الاسلام..قوة أم ضعف الإثنين أغسطس 13, 2007 11:53 am | |
| هذا البحث,أثار اهتمام كثير من الناقدين والمهتمين بالشؤون الدينية,وقد قرأت طويلا,وسمعت الكثيرين يناقشون هذا الجانب من الاسلام,ويقفون عند "تدخل الاسلام في الشؤون المادية,وعند مقابلة التعدي بالمثل,ورد الكيد بالكيد,والاهتمام بالزواج,والتأكيد عليه,وحتى الجنة عند الاسلام التي تشبه ببستان أيضا". وتجاهل بعض هؤلاء الباحثين,الروحية المتناهية التي تتجلى في العقائد الاسلامية,في الخلق وصفاته وأسمائه,وفي جعل الايمان بالغيب الركن الأساسي للاسلام في القرآن. ومهما كان,فعلينا أن نناقش هذا الموضوع بصورة موجزة,بعد لفت نظر المستمع الكريم الى مقدمة ايضاحية. ان التقليد الشائع,يقتضي تقسيم الأشياء عامة,وأعمال الانسان بالذات,الى مادية وروحية. وحسب هذا التقسيم,يبدو أن لنا أمورا مادية,والاشتغال بها يعد الانصراف الى المادة,نظير الأكل,والشرب,والزواج,والتجارة,وأمثال ذلك. ومقابل هذه الامور,فالصلاة والعبادة,والفداء والتضحية,والانصراف الى التفكير,تعد من المعنويات والروحيات,لأن القسم الاول,هو أمور زائلة تناسب جسد الانسان ورغباته الآنية,والقسم الثاني هو تلبية لميول سامية,ولرغبات روح الانسان وقواها,فتعد أمورا غير مادية. والحقيقة,أن هذا التقسيم خال من الدقة,ولاينطبق على التفسير الفلسفي,ولا على التعاليم الدينية ولايحظى باقناع روح المؤمن الفاحصة. فالمادة في التفسير الفلسفي,كل موجود يحتاج الى الحيز والابعاد,أو كل موجود متحرك,متطور الحقيقة,والمجرد أي غير المادة هو ماليس له أبعاد,وما لايحتاج في ذاته الى زمان أو مكان أو حركة. وعلى هذا التفسير,فجميع الحركات الصادرة عن الانسان مادية,حتى العبادات ,والفداء,والاحسان,وحتى التفكير,فانه يقترن بحركات خلايا الدماغ التي هي مادية.ولايتمكن الفيلسوف أن يتصور انفصال الجسم عن الروح,وصدور أفعال من أحدهما بمعزل عن الآخر,لكي يسمي بعضها افعالا مادية,وبعضها الاخر افعالا روحية. بل التفاعل بين الجسم والروح,يبلغ درجة تجعل منهما,عند كثير من الفلاسفة,تركيبها اتحاديا.وقد أبدع صدر الدين الشيرازي حيث جعل الروح ذات حدوث جسماني وبقاء روحاني. فالميزان الصحيح لمعرفة مادية شيء,وروحيته في أعمال الانسان,هو باعث العمل وغايته,فكم من صلوة او صدقة أو تفكر ,هي من المادة في الصميم.وما أكثر الأعمال المادية,أو الاجتماعية,أو الادارية التي تصدر لغايات سامية,فتجعل منها عبادات مقدسة.ويتمكن المؤمن أن يجعل حياته كلها سجودا لله. ومن جهة أخرى,اذا لاحظنا أن جميع الموجودات من خلق الله,وجميع جوانب وجود الانسان حقيقة واقعة تبرز الارادة الالهية,اذا لاحظنا هذا كله,فمن الصعب جدا أن نفرق بين وجود آخر.وأن نميز بين جانب وعمل,وبين سائر الجوانب والأعمال.بل لايمكن التفريق والتمييز,الا اذا انحرف الانسان بعمله عن الرسالة الحياتية التي أرادها الله له. والآن نعود لكي نبحث في الجانب الروحي من الاسلام نقول: ان الاسلام يقدس جميع الموجودات الكونية ويعتبرها,بمادياتها ومعنوياتها,كلها ساجدات لله,مسبحات بحمده.وحتى الموجودات الشريرة أو الضارة,فشرورها وأضرارها نسبية,واذا استعملت بقدرها وفي موضعها فلا شر ولاضرر. وبالنسبة الى الانسان,يعترف الاسلام بجميع جوانب وجوده,وجميع رغباته,ويحترم ذلك.ثم يحاول تنظيم صلاته بغيره,وتنسيق نشاطاته,وتعديل رغباته,لكي يلعب دوره الكوني,أي دور خلافة الله في الارض,فيعيش بجميع جوانب وجوده أفضل عيش,وأطيبه,وأكثره تمتعا بالكون. وفي هذا الخط,خط أداء الواجب,كل عمل من الانسان عبادة,وكل حركة منه مقدسة,والعكس بالعكس. وهكذا ترى أن الاسلام يعطي صفة الروحية لجميع أعمال الانسان الصادرة عن باعث سليم,ويصبغ جميع الموجودات بصبغة القداسة. فالأصح في التعبير ألا نقول بضعف روحية الاسلام,واهتمامه بالماديات,بل نقول بقوة هذا الجانب الى حد يحول كل شيء الى الروحيات. ولعل السبب في تعبير القرآن في أغلب المواضيع بالنفس دون الروح,لأجل هذه المقارنة,حيث ان الروح فهي اسم خاص للشأن التجريدي المطلق,الذي يتجلى حال نزول الوحي,وتدبير الشرع,والذي يواكب الملائكة في بعض الآيات القرآنية. ومن أطرف مايرى في الأحكام والتعاليم الاسلامية,أنها تؤكد على أن ماخلق الله من الزينة والطيبات انما خلق للانسان,وتوجه باللوم الى من حرمها. انها تؤكد على هذه,ومع ذلك,فقد جعلتها فتنة,وذلك تأكيد على أن النعم كلما ازدادت,والأموال كلما كثرت,والجاه كلما عرض يجب,بنفس القياس,الازدياد من الايمان والاكثار من التقوى,والا فالانسان يقع في خطر الانحراف عن الخط المستقيم,والالتهاء بالجانب الشخصي عنها والاستسلام لها.علي يقول :"ليس الزهد ألا تملك شيئاً بل الزهد ألا يملكك شيء". وعلى ضوء واقع الانسان,وواقع الخلق,وتفسير المعاد,وكون الجزاء بنفس الأعمال,على ضوء هذه الأمور,نفهم واقع الجنة والنعم التي هيأها الله لعباده المتقين. وقد حاول القرآن بعد ذلك,أن يسبغ على النعم هذه صفات روحية,كالخلود,والطهارة,وعدم السأم,والخمول,ووجود الصفاء,وشمول الأخوة,وعدم استماع اللغو والتأثيم,الا قيلا سلاما سلاما.ومع ذلك كله جعل القرآن رضوان الله,أكبر نعمة من نعم الجنة,وأفضلهاوولكنها للنفوس الكبيرة التي كانت تقول: :"الهي ماعبدتك خوفا من نارك ولاطمعا في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك". أما حديث مقابلة التعدي بمثله,من دون ظلم ولاتجاوز,فهو جزء من النظام العام,الذي وضع لصيانة المجتمع وسلامته,وحفظا للانسان. وأحب أن أذكر هنا نقطة واحدة,هي أن الاسلام في هذه المواضيع أيضاً,اعتبر العفو خيرا وأقرب للتقوى,اذ لايوجب تمادي الطغيان والركون الى الظلم,والا فهو ظلم,يعد الانسان به أحد الطالمين | |
|