النكتة وأثرها على الشخصية

لماذا نصنع النكتة
السؤال يلقيه فرويد على نفسه ويجيب عليه:
لنفرض أن رجلاً داس على رجلك عامداً متعمداً,أو أنه اهانك,أو ألحق بك الأذى.
هناك من لايأبه لهذا كثيراً,فهو عديم الشعور أو هو أبله كبير.
وهناك من لايأبه لذلك, لا لبلاهته بل لحكمته.
فالحكيم هو الذي يعفو عن كل شيء إذ أنه يفهم كل شيء.
أما مايفلع عادة كثير من الناس فهو الرد على الاهانة بالاهانة,والأذى بالأذى لابل ان هناك من يفعل اكثر من ذلك,فقد حدث في الماضي أن الجواب على هذا الاعتداء أو الاهانة كانت رصاصة من مسدس,أو طعنة من خنجر,ولايزال من يفعل هذا حتى الآن.
ولاجدال في أن الرقي والتهذيب قد أفاد في هذا كثيراً.يقول "ليشنتبرج" في الظرف الذي نقول فيه اليوم لهذا الذي داس على رجلنا عفواً,كنا بالأمس نصفعه أو نبصق في وجهه,إلا أننا عند العجز والضعف نعالج الأمر بشكل آخر.
وهذا الشكل معروف منذ القديم :إننا نحاول أو نجعله هزواً وسخرية للناس.
بهذا يكون فرويد قد وضع في كتابه "النكتة وعلاقتها باللاشعور" أول قاعدة من قواعد النكتة.
إذ يقول "النكتة ترضي غريزة من الغرائز فهي تزيل من طريقها عاتقاً مهدداً".فالنكتة إذاً غائية.
هذه الحاجة الى النكتة يشعر بها كل فرد,وكل جماعة,فهي ليست قزماً والتاريخ يدلنا على دور"مضحك الملك" في بلاط الملوك حيث يكثرالنفاق,والكبت,والحرب الخفية المستعرة.
وكما يحتاج بلاط الملوك الى هذا فإن مضحك الملك تحتاجه كل شلة من الأصدقاء في المدرسة,والمجتمع,والأندية,والتسليم بهذه الحاجة هو عام.
فكلنا يعرف أن المرح هو أعظم علاج في الدنيا "ولولا الغم مامات ميت".
فالطيب يعطي في كل يوم الى مريضه نصيحة بالمرح والفرفشة ولكن هذه الوصفة لاتصرف إلا في صيدلية الظرفاء.
2- أنواع النكتة
إذا أخذنا برأي فرويد فالنكتة إذاً لن تكون إلا ثأرية أوجنسية.وهناك من يقول بالنكتة الساذجة والنكتة البريئة.
النكتة الثأرية (من أمثلة فرويد)
كان "هاينريش هايني" الشاعر جالساً مع الشاعر "سوليه" في مقهى.وإذا بغني حرب يدخل فيسرع اليه المنافقون متزلفين,فقال سوليه:
- انظر ياهاينريش: أنظر الى القرن التاسع عشركيف يزحف لعبادة العجي الذهبي!
فيجيب هاينريش:
- إنه أكبر منعجل ياصديقي.
مثال آخر:
كل من في الدير صائم فلاطبخ ولانفخ ولانار,إلا الراهب بطرس فقد انزوى في غرفته ,وأخذ شمعته وراح يشوي عليها بيضة,وفجأة داهمه رئيس الدير فأرتبك وصاح:
- اعف عني أيها الأب فقد أغراني إبليس!
وكان إبليس واقفاً في زاوية الغرفة فصاح:
- لاتصدقه ايها الأب المحترم! لي ساعة أتعلم منه هذا الدرس.
النكتة البريئة (بين المعلم والتلميذ)
ماذا قال قيصر حين طعنه بروتس؟
قال آه...آخ....!
مثال آخر
الزائر لسوسو: وكان قد عوقب في المدرسة ذلك اليوم:
ماذا تتعلمون في المدرسة ياسوسو؟
قراءة وإملاء و...قتل وضرب.
النكتة الساذجة
قال الأطمعي :رأيت إعرابياً ممسكاً بستار الكعبة ويقول: اللهم ميتة كميتة أبي خارجة.فقلت له يرحمك الله,وكيف مات أبو خارجة؟ قال أكل بذخاً وشرب مشعلاً ونام في الشمس فمات شبعان ريان دفئان.
مثال آخر:
اختصم اعرابيان الى شيخ منهما فقال احدهما: أصلحك الله مايحسن صاحبي هذا آية من كتاب الله عز وجل.فقال الآخر كذب والله,إني لقارىء كتاب الله.
فقال الشيخ فاقرأ,فقال:
علق القلب ربابا
بعدما شابت وشابا
فصاح صاحبه (اصلحك الله,والله ماتعلمها إلا البارحة).
مثال آخر (عن فرويد):
هوأطرش,مدمن على الخمر,أوصاه الطبيب بترك الخمرة كي يشفى.
ولاقاه في الطريق بعد ايام فناداه وإذا ب يرد عليه,فعلم أنه اقلع عن الخمر,فسر,وفي مرة أخرى ناداه من بعيد فأجاب على النداء فزاد سروره.
ورآه في المرة الثالثة,فنادى وصاح وكرر النداء ولكن مامن مجيب,وأسرع اليه وهزه من كتفهسائلاً ماهذا؟
فأجابه السكير:
اسمع يادكتور! امتنعت عن الخمرة,فصرت أسمع,هذا صحيح! ويكن كل ماسمعته لايوازي معشار مااسمعه من هذا...(واخرج الزجاجة من جيبه).
3- آلية النكتة
والآن لننظر في الأمثلة التي مرت وماصنعت النكتة فيها:
في النكتة الثأرية كان العمل فيها,هو ما دعا اليه جرير – وهويعد أول من وضع قواعد النكتة وأسسها – إذ وضع لها هذا الأساس :"إذا هوجمتم فاضحكوا".
وهو يطبق أسس النظرية عملياً,فانظر اليه كيف يهجو الفرزدق:
والتغلبي إذا تنحنح للقرى
صك أسنته وتمثل الامثالا
إنه هنا يهتك ستر الفرزدق فيكشف عنه القناع ويظهره عارياً و فيكشف عنه القناع ويظهره عارياً ويتنحنح وهو ينوي ان يكون كريماً فيصك أسنته ويضحكنا عليه وهو في هذه الحالة,وقبل ان يظهر شيء من كرمه يسمعنا إياه يتمثل الامثال وكأنه الرجل العظيم المفضال ولكنه في نفس الوقت يحك أسنته.
إن ماحدث في النكتة الثأرية ليس إلا هذا فغني الحرب فضحه,هايني وإذا بنا نراه "ثوراً" و"الراهب كان أخبث من إبليس".
وفي النكتة البريئة راينا الطفولة متمثلة في جواب التلميذ للمعلم وكذلك في النكتة الساذجة الأولى والثانية والثالثة راينا البلاهة متجلية,ممالايمكن أن يقوم به إلا غبي أو طفل.
من هذا يتضح أن أهم عمليات النكتة هو "كشف القناع" وان تظهر الشخص المستهدف,طفلاً أو ترجعه الى طفل أو أن ترى في نفسك الطفل.
فالنكتة هي فكرة موجودة في المنطقة التي يسميها فرويد "اللاشعور" تنزلق لحظة الى اللاشعور وهي تفتش عن مثيلاتها من الأفكار في العهد الطفلي ثم ترجع بعد قليل جداً ليعرف مضمونها في الشعور.
النكتة إثارة
إن هذا الذي يقوله فرويد من الانزلاق لحظة الى اللاشعور هو في الحقيقة ليس إلا عملية إثارة وضعف في خلية أو مجموعة من الخلايايقوم بها طفل أو نحن كما لو كنا اطفالاً.
كل هذا يتضح عندما نعرف الوسائل التي تتخذ للوصول الى ذلك.
فهذا فرويد يلخصها في قوله :حتى نصل الى ماتحت اللحاء علينا أن نتخطى ثلاث عقبات وهي:
- المنطق
- النقد
- الضغط الاجتماعي
آلية نكتة الكلمة
يرى فرويد آلية نكتة الكلمة في :
أ- تكثيف الكلمة وهذا يكون:
- باضافة شيء اليها.
- بتحويرها.
استعمال نفس الكلمة:
- كلها أو بعضها.
- تغيير ترتيبها.
- نفس الكلمة بمعنى أو بدون معنى.
ج- الكلمة لها معنيان:
- الاسم ومعناه الأصلي.
- المعنى الأصلي والمشتق منه.
- المعنيان بالمعنى الصحيح.
- تفسير الكلمة بمعنيين.
- المعنيان مع التلاعب بهما.
كل هذا هو للتعمية على اللحاء أو الشعور,لتستطيع الكلمة أن تجتازه الى مابعد اللحاء.
ويقول فرويد أن مجموع الترتيب الذي يتخيله في تحوير الكلمة يجعل من الممكن استثمارها بأحد عشر شكلاً.