يقصد بالتسرب أن يترك التلميذ المدرسة قبل إتمام المرحلة التعليمية أي عدم إكمال الدراسة الابتدائية، وينجم عن هذا عدم انتفاع التلميذ بالمعارف والخبرات والمهارات التي تؤثر في نضجه الجسمي والعقلي والاجتماعي والوجداني وفي نضج شخصيته وقدراته بما يؤهل تواصله في الحياة.
وتسبب مشكلة التسرب ضياعاً وخسارة للتلاميذ أنفسهم لان هذه المشكلة تترك آثارها السلبية في نفسية التلميذ وتعطل مشاركته المنتجة في المجتمع،
والأسباب الكامنة وراء هذه المشكلة عديدة تندرج ضمن المجالات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية للتلميذ والأسرة وللمدرسة تأثير مهم في تسرب بعض التلاميذ وسوف نوجزها بالتفصيل ضمن الأسباب التي أدت إلى التسرب المستمر لبعض التلاميذ عن مدارسهم وانحرافهم بشكل ملحوظ مما يؤثر في سلوكهم في عمر هم فيه بحاجة إلى التعلم وحل مشاكلهم بالطرق التربوية والنفسية والاجتماعية.
الأسباب التي تؤدي إلى التسرب:
1.المدرسة:
وهي مؤسسة اجتماعية تتعامل وتتفاعل مع الواقع الاجتماعي العام ولذلك لها تأثير مهم في بناء شخصية الطفل ولكن سوء معاملة بعض المعلمين للتلاميذ وإتباع أسلوب العقاب البدني لهما تأثير سلبي فيهم مما يثير الخوف لديهم ويبعدهم عن المدرسة ويؤدي إلى تسربهم وان غياب التعامل التربوي في حل المشكلات من قبل بعض المعلمين الذين يلجأون إلى استخدام الأساليب القسرية التي تترك آثارها النفسية العميقة في نفوس تلاميذهم.
2.مشكلة تخص التلميذ نفسه:
أ. الغياب : وهي من ضمن المشاكل التربوية التي تعود بنتائج سيئة على التلميذ وقد تؤدي إلى جنوحه ومرافقته لأصدقاء السوء وبالتالي رسوبه وتركه المدرسة وتسربه منها ومن أسباب غيابه عن المدرسة هي :
1. بسبب الإصابة ببعض الأمراض.
2. إخفاقه في اكتساب المعلومات والخبرات المدرسية.
3. عدم تكيفه مع الجو المدرسي.
4. خوفه والسخرية والعقاب من بعض المعلمين.
5. مرافقته لأصدقاء السوء.
ب. انخفاض المستوى العلمي: إن جهل المعلمين للفروق الفردية بين التلاميذ وتشخيص التلاميذ ضمن فئات وكيفية التعامل معهم ضمن الخصائص العقلية لكل تلميذ وبالتالي فان بعض التلاميذ لا يستطيعون الوصول إلى أقرانهم في المستوى الدراسي بسبب ضعف القدرات العقلية إذ قد يكون التلميذ بطيء التعلم أو قد يعاني من مشاكل صحية أخرى مثل ضعف البصر او السمع او صعوبة في النطق وبذلك لا يستطيع مواكبة المادة الدراسية وبالتالي يؤدي به هذا إلى التسرب من المدرسة.
ج. كثرة تنقل التلميذ من مدرسة إلى أخرى : إن كثرة تنقل التلميذ من مدرسة إلى أخرى يؤدي إلى تسربه من المدرسة بسبب عدم مواكبته للمواد الدراسية من مدرسة إلى أخرى واختلاف طرق التعليم من معلم إلى آخر فانه يجد نفسه متأخراً دراسياً لعدم فهم بعض المواد مما يضطر إلى التغيب والتسرب من المدرسة.
3.العوامل النفسية:
أ.ضعف التركيز وضعف الذاكرة.
ب.صعوبة الحفظ.
ت.سهولة التشتت أو الشرود.
ث.فرط النشاط.
ج.صعوبة إتمام نشاط معين.
ح.النسيان.
وان هذه العوامل النفسية تعتبر من المشكلات التي يجد معها التلميذ صعوبة في اكتساب المعلومات وعدم اكتشافها ومعالجتها يؤدي به إلى الهروب من المدرسة.
4.الأسباب الاجتماعية والاقتصادية:
إن الأسباب الاجتماعية تبرز من خلال بعض العادات والتقاليد التي تنمي الاتجاهات الخاطئة نحو التعلم وبخاصة العلاقات الأسرية وعدم الانسجام بين أفراد العائلة وكثرة الشجار بين الأم والأب والقسوة التي يستخدمها بعض الآباء على أطفالهم كلها تؤدي إلى كره التلميذ للمدرسة وبالتالي تركها.. أما الأسباب الاقتصادية فمنها انخفاض المستوى المعيشي لبعض العوائل وحاجاتها لعمل أبنائها في بعض الأعمال والأماكن لتوفير المال ولتغطية نفقاتها بسبب ارتفاع المستوى المعيشي في البلاد مما يضطر أولئك الأبناء إلى ترك المدرسة من أجل العمل لتوفير لقمة العيش.
5.الطفل اليتيم:
كثيراً ما يحدث ان يموت الأب أو الأم أو كلاهما كما يحدث عادة أيام الحروب فيتركان خلفهما أطفالاً يجب على المجتمع ان يصبح مسؤولاً عنهم ولكن المجتمع عادة يهمل هؤلاء الأطفال الذين يغدون عرضة لمشكلات منها، العوز المادي كنقص الغذاء والكساء والمأوى والحرمان الانفعالي من الحب والعطف والحنان وقد يؤدي عدم الرعاية السليمة لليتيم إلى تشرده وتخلفه العلمي وجنوحه ومن النتائج الخطيرة التي تؤثر في المتسربين هو جنوحهم وانحرافهم السلوكي نظراً لعدم علاج هذه الظاهرة من قبل التربويين ورجال الدين والقانونيين الذين لم يتوصلوا إلى حل هذه المشكلة التي أصبحت ظاهرة عامة تؤثر في المجتمع بصورة سلبية .
النتائج السلبية للتسرب:
(جنوح الأحداث) تشير كلمة الحدث في اللغة العربية إلى انه صغير السن ومن الناحية القانونية يعرف الحدث بأنه صغير السن التي حددها القانون للتميز ولم يتجاوز السن التي حددها بلوغ الرشد، أما تعريف الحدث في المفهوم الاجتماعي فهو الصغير منذ الولادة وحتى يتم نضجه الاجتماعي ومن الناحية النفسية (وهو الصغير الذي لم تتكامل لديه عناصر النمو النفسي الصحيح).
أما الجانح فيعرف لغوياً بأنه الآثم، من الناحية القانونية يعتبر الحدث جانحا إذا قام بعمل يعتبره القانون جريمة.
فجنوح الأحداث هو اصطلاح نفسي اجتماعي يدل على سلوك منحرف وبنظر القانون مخالفة أو جنحة أو جناية لكل درجاتها وعقوباتها كما لا يشترط بالجنوح مخالفة القانون بل مخالفة للعرف والتقاليد والآداب.
وان الشريعة الإسلامية تميز بين الصغار والكبار من حيث المسؤولية الجنائية تمييزا كاملاً واضحاً كما أنها وضعت قواعد لا تزال موجودة لدينا هذا ومواكبة للمنهاج الحديث في إدراك الإنسان وهي بمراحل ثلاث:
1-مرحلة انعدام الإدراك وتبدأ من الولادة الى السابعة.
2-مرحلة الإدراك الضعيف وتبدأ من الثامنة الى الخامسة عشرة.
3-مرحلة البلوغ التام (الإدراك التام وهو سن الرشد) وتكون العقوبة جنائية أو تأديبية فترى السمة الإنسانية للحدث من قبل الشريعة الإسلامية.. أما النظرة في العالم الغربي فأكثر قسوة ، ففي العصور الوسطى كانت النظرة للجريمة أو الجنوح مقيدة بمفهوم ديني محتواه أن الجريمة من عمل الشيطان والجاني آثم يتحدى إرادة الله والخارج على القانون فهو خارج من قانون السماء فيجب معاقبت،ه فالطفل الذي يعيب أو يسبب والده تكون عقوبته الإعدام وظل هذا المفهوم سائراً حتى كادت السجون تغص بالأطفال الجانحين لحين الثورة الفرنسية وانتشار أفكار الحرية وحقوق الإنسان التي نادت بضرورة دارسة المحروم دراسة نفسية واجتماعية وثم معاقبته قانونياً، بعدها تمت إعادة النظر بالقوانين ضد الأطفال ومن أبرز من نادى بضرورة الاهتمام بالجانحين ودراسة ظاهرة الإجرام كظاهرة اجتماعية في ظل أفكار الحرية وحقوق الإنسان (جان جاك روسو) ففي منتصف القرن التاسع عشر ظهر قانون حماية الطفل وقانون الطفولة وغيرها، هذه القوانين تصف وتتحدث عن رفاهية وصحة الأطفال العقلية والجسمية والنفسية.
•عوامل جنوح الأطفال:
إن علماء الاجتماع ينظرون الى هذه الظاهرة ويفسرونها باعتبارها ظاهرة اجتماعية او بالاحرى مشكلة اجتماعية تحدث نتيجة التغير السريع الذي يصيب المجتمعات البشرية.
فالحدث المنحرف هو إنسان اعتيادي إلا من ظروف اجتماعية ومعيشية أدت الى هذا الانحراف منها عدم التكيف الاجتماعي والتفكك العائلي والمستوى الاقتصادي وحجم الأسرة وسوء التوافق مع معايير المجتمع.
إن أثر التفكك العائلي نتيجة فقدان الوالدين أو الطلاق او الهجر او تعدد الزوجات او غياب رب الآسرة مدة طويلة ونتيجة لهذا التفكك يحدث التفكك النفسي حين يسود العائلة جو المنازعات المستمرة بين أفرادها وخاصة بين الوالدين فيشعر الفرد نتيجة لهذا التفكك النفسي بالضياع وعدم الاحترام أو الغربة رغم أنه يعيش تحت سقف واحد مع أفراد أسرته ويعتبر التفكك الاجتماعي أو العائلي أو النفسي من أهم العوامل في جنوح الأحداث.
من أسباب الجنوح:
1- غياب السلطة من العائلة والتهاون والتسامح الطارئ إزاء السلوك العدواني لدى الطفل الذي يزيد من تمادي الحدث لاحقاً وتمرده ومروقه عن السلطة وعدم المبالاة بوسائل الردع وهذا ما يدفعه الى عدم الاهتمام والاكتراث بنتائج فعله.
2- الثورة الإعلامية الكبيرة وطرح مواد إعلامية متعددة غير معروفة لديه مسبقاً من خلال مفاهيم وقيم تتعارض مع موروثه الأخلاقي والعقائدي مما يخلق فجوة بين مدركاته المعرفية والمعلومات المكتسبة من وسائل الأعلام.
3-طرح أفلام الأقراص الليزرية تختلف مضامينها عن واقعه مما يدعو الحدث عادة الى تطبيق تلك الشخصيات على واقعه.
4-من السلوكيات المنحرفة التي قد ينخرط فيها الجانح التدخين وتعاطي الكحول والمخدرات والتشرد والتسول والسرقة والقتل والزنا واللواط فيكون صيداً سهلاً لأصحاب بالنوايا الإجرامية ومنفذا لخططهم.
طرق علاج التسرب وجنوح الأطفال:
1-دور العائلة
أ- دور العائلة كبير في تغذية الفرد بالأحكام والتصورات المنبثقة من الواقع وتوعيته توعية سليمة..
ب- للعائلة دور مهم في تشكيل شخصية الفرد وبناء ذاته وطريقة التفكير والتعبير وإشباع حاجات الفرد والتمييز بين ما هو مقبول وغير مقبول وتنمية الأذواق وصقل العادات والمهارات لضمان نمو اجتماعي صحيح.
ج- إن العلاقات الأسرية الهادئة التي يسودها نوع من التفاهم والمحبة بين أفراد الأسرة وخاصة الأبوين له أثر واضح على استتباب الأمن النفسي والتوافق الاجتماعي.
د- يجب أن يكون عقاب الأب ليس عنيفاً فإذا كان عنيفا فانه سيولد سلوكاعدوانيا من قبل الطفل تجاه أقرانه لأنه يقلد السلوكيات.
و- من واجب الوالدين معرفة أصدقاء طفلهما ومعرفة أخلاقهم وتشجيعه على مصاحبة التلاميذ المتفوقين في المدرسة.
2- دور المدرسة:
أ/ دور المعلم
1-يجب أن يكون المعلم من النماذج الإنسانية المهمة التي يقابلها التلميذ في حياته اليومية.
2-زيادة خبرات التلاميذ في مجالات متعددة.
3-مشاركة التلاميذ الإيجابية في عملية التعلم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
4-حل المشاكل المختلفة التي يتعرض لها التلميذ في المدرسة والبيئة كي يحب الطفل المدرسة والبقاء فيها.
5-ابتعاد المعلمين عن استخدام الأساليب القسرية أو العقاب البدني وحسن معاملة المعلم كي لا يكره التلميذ معلمه وبالتالي يكره المدرسة.
5-إن أثر انتقال التعلم الى مرافق الحياة يساعد المعلم على تغيير السلوك عند التلاميذ.
6-اعتماد المكافآت المعنوية والمادية أو أي نوع آخر من المكافآت وبأي أسلوب يبدو ملائماً لأن يظل الطالب في المستوى المطلوب او يحقق النجاح المنشود.
ب/ دور مجالس الآباء والمعلمين.
1-توثيق الصلات بين الآباء والمعلمين
2-دراسة مشكلات التلاميذ وحاجياتهم والعمل على حلها وإشباعها.
3-دعم التعاون بين المدرسة والمجتمع والعمل معاً لإيجاد الحلول لبعض المشكلات التي لا تستطيع المدرسة مواجهتها لوحدها مثل التسرب.
4-رفع المستوى الثقافي والاجتماعي والصحي والنفسي بين أبناء المجتمع من خلال إقامة الندوات.
2-دور الدولة
يجب أن تهتم بوضع نظام الرعاية لرعاية الأيتام وتربيتهم وتوفير البرامج والإرشادات قدر المستطاع وتقديم الخدمات والرعاية المادية والنفسية والتربوية ليصبحوا متعلمين يساعدون على بناء وطنهم ورفع المستوى المعيشي وذلك بتعليمهم مهنة معينة يستطيعون أن يكسبوا بها عيشه.
أخيراً نقترح تأسيس مشروع تربوي مهني للقضاء على حالات التسرب وجنوح الأحداث