يتكون الثدي من ثلاثة أنسجة: نسيج غدي، ونسيج ليفي، ونسيج دهني. أما النسيج الغدي فيتكون من فصوص يترواح عددها بين 15 إلى 20 فصاً.. ولكل فص قناة تفتح بفتحة مستقلة على سطح حلمة الثدي المجعد. ويتكون الفص الواحد من فصيصات صغيرة تحتوي على الحويصلات القادرة على إفراز اللبن عند حدوث الحمل والولادة تحت تأثير هرمونات معينة.. وهنا تتجلى آية من آيات الرحمن ممثلة في أن كل قناة لها فتحة مستقلة ولا تتجمع القنوات كلها في فتحة واحدة، حتى إذا انسدت قناة واحدة أو أكثر لم يمنع ذلك بقية القنوات من إدرار اللبن. أما النسيج الليفي الضام فهو الذي يحيط بهذه الفصوص ويربطها بعضها ببعض ويبثتها في مكانها. أما النسيج الدهني فهو الذي يعطي للثدي شكله العام.
أما الحلمة، والتي تخترقها القنوات اللبنية (15 20) وتفتح كل واحدة منها بفتحة خاصة في قمتها، فإنها تحتوي على عضلات لا إرادية منتظمة على هيئة دوائر تنقبض هذه العضلات عندما تنتبه بواسطة عملية المص فتجعل الحلمة في وضع الانتصاب الذي يساعد الرضيع على الرضاعة، وعضلات أخرى طولية يؤدي انقباضها إلى إنكماش الحلمة بعد انتهاء عملية المص.
وظيفة الثدي
تتمثل الوظيفة الأساسية للثدي في إفراز اللبن وإرضاع الوليد، كما يضفي على المرأة مظهرها الأنثوي المميز، وبالتالي يؤثر في تكوينها النفسي، ويتأثر نمو الثدي ووظائفه بتسعة هرمونات تفرزها ست غدد.
ولا يتم إفراز لبن الأم إلا بعد حدوث الحمل والولادة.. ويرجع ذلك إلى أن إفراز اللبن من الثدي يحتاج إلى وجود هرمون خاص يُفرز من الفص الأمامي للغدة النخامية يسمى هرمون (البرولاكتين) أو هرمون اللبن، ولا يفرز هذا الهرمون بكميات وفيرة إلا بعد الولادة.
والجدير بالذكر أن المنبه الأساسي والرئيسي لزيادة إفراز البرولاكتين هو (عملية الرضاعة).. ولقد أثبت بعض العلماء بالبحث والتجارب أنه بمجرد سماع الأم لصوت بكاء طفلها ينتبه إفراز هذا الهرمون!.. ويشارك في خروج اللبن هرمون آخر يسمى (الأوكسيتوسين) والذي يفرزه الفص الخلفي للغدة النخامية أيضاً، إذ يؤدي إلى انفباض العضلات اللاإرداية المحيطة بالحويصلات المملوءة باللبن في فصوص الثدي، فتضغط تلك العضلات على الحويصلات وتعتصرها، فيتدفق اللبن منها خلال القنوات إلى حلمة الثدي. ويساعد انقباض عضلات حلمة الثدي على انتصاب الحلمة وبروزها أثناء الرضاعة.
كيف يصنع اللبن
داخل الثدي؟
العلماء يقولون إن تصنيع اللبن في الثدي (عملية حيوية) .. ويقصد بذلك أنها مثل العمليات الحيوية الأخرى في الجسم مجهولة السبب، وإن عرفت مظاهرها والعوامل المؤثرة فيها. ويلجأ العلماء إلى لفظ عملية حيوية لتغطية عجزهم عن فهم سر الحياة. ومن أمثلة العمليات الحيوية المجهولة السبب دقات القلب التي تبدأ في الجنين وتستمر حتى الممات. فالعلم يبين على وجه الدقة التغيرات المصاحبة لكل دقة من دقات القلب، ولكن لا يُعرف على وجه التحديد سبب نشأة تلك الدقات. ولماذا تحدث أثناء الحياة؟. وعملية تصنيع اللبن في الثدي عملية حيوية تحتاج إلى قدر من الطاقة لتحويل المواد الأولية المستخلصة من الدم إلى المواد المركبة الموجودة في اللبن.
ويقوم الثدي بإفراز اللبن من المكونات الموجودة في الدم المتدفق إلى الثدي.. والمدهش أن الثدي يحتاج في الدقيقة الواحدة إلى حجم من الدم يماثل 500 مرة حجم اللبن المفرز. وبالتالي يتأثر إفراز اللبن بمكونات الدم ومعدلات تدفقه إلى الثدي. وليس من شك أن إفراز كمية كبيرة من لبن الأم يحتاج إلى وجود منسوب طبيعي من المواد الغذائية في دم الأم، لذا يجب على الأم المرضع الحصول على غذاء صحي مناسب غني بالبروتينات والفيتامينات والسوائل وأملاح الكالسيوم. ولا عجب فإن الأم تطعم وليدها جزءاً من مكونات جسمها، وهذا يُعظم من حق الأم على أولادها، ويعظم من حق الزوج الذي يرعاها.. وهذا ما يذكرنا به الله سبحانه وتعالى في قوله:
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير (لقمان الآية 14).
لبن الأم
ولماذا هو الأفضل؟
هناك آيات كثيرة أودعها الله سبحانه وتعالى في لبن الأم نذكر بعضها فيما يلي:
أولاً: يحتوي لبن الأم على كل العناصر الغذائية اللازمة لنمو الطفل من بروتينات ودهون وفيتامينات وأملاح معدنية وغيرها، والتي لا تتوفر بنفس المعدلات في أي لبن صناعي.
فالدهون الموجودة بلبن الأم تختلف عنها بالألبان الصناعية. فلبن الأم يحتوي على نوعيات خاصة من المواد الدهنية اللازمة لنمو المخ والأعصاب في هذه المرحلة الأولى من العمر، وهذه المواد الدهنية الخاصة صعبة الهضم والامتصاص ولكن العجيب في الأمر أن لبن الأم نفسه يحتوي على مجموعة من الأنزيمات الهاضمة التي تمكن الطفل الرضيع من الاستفادة من هذه الدهون.
ليس هذا فحسب، بل إن كمية الدهون في لبن الأم تختلف مع اختلاف سن الطفل وكذلك تختلف في اليوم الواحد، فتكون قليلة في أول اليوم وتزيد في منتصف اليوم وآخره أي أن رضعة الطفل بالليل تكون دسمة ورضعته في الصباح تكون خفيفة. وهذا الترتيب الرباني يُمكن الطفل من النوم بالليل ساعات أطول بدون الإحساس بالجوع لأن الدهون تحتاج وقتاً أطول للهضم. وكذلك في نفس الرضعة الواحدة تكون الدهون مركزة في آخر الرضعه عنه في أول الرضعة.. لذلك ننصح الأم عند إرضاع طفلها أن تنتهي من إرضاع كل ثدي على حدة قبل أن تنقل الطفل للثدي الآخر حتى يتمكن الطفل من الحصول على وجبة متكاملة.
ثانياً: يلبي احتياجات الطفل حسب عمره وحجمه:
خلق الله لبن الأم فريداً في نوعه ومكوناته بحيث يختص بنمو المخ والأعصاب والقدرات الذهنية أولاً ثم يأتي بعد ذلك نمو العضلات والجهاز الحركي. على خلاف الحيوانات الثديية مثل البقر والجاموس الذي ترتفع في لبنها كمية البروتينات، ولا عجب فلبن الأم يحتوي في المتوسط على 2،1 جم لكل 100 مللي لبن، في حين ترتفع في البقر إلى 5،3 جم، وفي الجاموس تصل إلى 1،4جم، وذلك حتى تساعد رضيعها على النمو السريع وزيادة الوزن وتكوين كمية كبيرة من العضلات واللحوم، لأنها قد خلقت لأداء العمل الشاق ولتغذية الإنسان.
ولقد وجد أن لبن الأم يختلف في تركيبه باختلاف مدة الحمل فإذا ولد الطفل مبكراً عند سبعة أشهر مثلاً يكون اللبن مختلفاً عنه عند ولادة الطفل بعد تسعة أشهر كاملة، لأن احتياج الطفل قد يكون مختلفاً في كل حالة. والأعجب من هذا أن تركيب اللبن يكون مختلفاً في الأيام الأولى بعد الولادة عنه بعد أسبوع أو بعد شهر من بدء الرضاعة.. كل هذه الحقائق تؤكد أن لبن الأم يكون مهيئاً لظروف واحتياجات الطفل حسب عمره وحجمه.
ثالثاً : لبن السرسوب.. يحمي الطفل حتى سن سنتين:
بعد الولادة مباشرة يفرز الثدي نوع خاص من اللبن يسمى (الكولستروم) أو لبن المسمار أو لبن السرسوب.. وهو سائل لزج يميل إلى الإصفرار، سهل الهضم، غني بالبروتينات ذات القيمة الغذائية العالية، ويحتوي على كمية كبيرة من المعادن وبخاصة الكالسيوم. كما يحتوي على كمية هائلة من الأجسام (المناعية) القاتلة للميكروبات والفيروسات.
ولا عجب فهذا السائل يحتوي على (3) ملايين من كرات الدم البيضاء في المللميتر الواحد وهذه هي الخلايا المتخصصة في حماية الجسم من الميكروبات، كما يحتوي على تركيز عال من الخلايا الالتهامية المناعية وهي من أهم أنواع الخلايا المناعية.. ولقد وجد العلماء أن هذه الأجسام المناعية التي يحتويها هذا السائل العجيب تحمي الطفل حتى سن سنتين بإذن الله.
رابعاً: أجسام مناعية.. تحمى الطفل من كافة الأمراض المعدية:
يحتوي لبن الأم على كمية عظيمة من الأجسام المناعية والتي تقي الطفل من كثيرة من الأمراض المعدية الخطيرة وبخاصة أمراض الجهاز الهضمي كالنزلات المعوية والإسهال وأمراض الجهاز التنفسي مثل الإلتهاب الرئوي وأمراض الحساسية مثل الربو الشُعبي والإكزيما وغيرها. ومن أمثلة هذه الأجسام المناعية: الخلايا الليمفاوية، والخلايا البيضاء الآكلة، و (اللاكتوفيرين) وهو نوع من البروتينات يتحد مع الحديد مما يحرم البكتريا المعدية والفطريات الموجودة في القناة الهضمية للطفل من هذا العنصر الهام لنموها وتكاثرها، وعامل (بفيدس) الذي يساعد البكتريا الحميدة الموجودة في القناة الهضمية على التكاثر مما يجعلها قادرة على مهاجمة الميكروبات المُعدية في حالة دخولها الجسم، هذا فضلاً عن العامل المضاد للبكتريا العنقودية وهي من أخطر الميكروبات التي يمكن أن تصيب الطفل الرضيع.
ويُعد الجسم المناعي (A) أو (الأمينوجلوبيولين أ) أهم الأجسام المناعية المضادة التي يحتويها لبن الأم، ولا غرو فهو يعمل ضد كثير من البكتريا وخاصة ميكروب الكوليرا، وضد الكثير من الفيروسات وأشهرها فيروس شلل الأطفال الخطير.
خامساً: لبن الأم .. يرفع نسبة الذكاء:
أظهرت الأبحاث العلمية بما لا يدع مجالاً للشك أن الطفل الذي يرضع لبن الأم يكون أكثر ذكاء من الطفل الذي يرضع الألبان الصناعية.. وظل العلماء يظنون أن هذا الفارق في الذكاء يرجع إلى أسباب نفسية وتربوية. لكن المفاجأة ظهرت مع تواجد بنوك الألبان على غرار بنوك الدم في أوروبا وأمريكا، حيث تتبرع الأمهات بألبانهن بهذه البنوك. وعند إرضاع هذا اللبن للأطفال وجد أن الأطفال الذين رضعوا من هذه الألبان أكثر ذكاء من الأطفال الذين يرضعون الألبان الصناعية. فكان هذا برهان على تواجد بعض المركبات في لبن الأم تساعد على نمو العقل وزيادة الذكاء.
سادساً: هرمونات تقي الطفل من التخلف العقلي:
يوجد بلبن الأم بعض الهرمونات الحيوية التي تساعد على تنمية الشعور بالارتباط بين الرضيع وأمه، وهرمونات تساعد على تجنب التخلف العقلي!.
سابعاً: في لبن الأم (6) مواد مضادة للجراثيم و (
للالتهابات و (4) مقوية للجهاز المناعي:
أوضحت النشرات الطبية الحديثة أن لبن الأم يحتوي على العديد من المواد المهمة منها ست مواد مضادة للجراثيم.. وثمان عناصر مضادة للإلتهابات.. وأربعة عوامل معدلة ومقوية للجهاز المناعي لدى الطفل!.
ثامناً: لبن الأم.. لا يعرض الطفل للإصابة بالأنيميا:
قد يظن البعض منا أن لبن الأم قد يعرض الطفل الرضيع للإصابة بفقر الدم (الأنيميا) الناتجة عن نقص الحديد نظراً لاحتواء لبن الأم على كميات ضئيلة من مادة الحديد.. لكن هذا الظن مردود عليه بأن احتياج الطفل لمادة الحديد خلال الأشهر الستة الأولى من العمر يكون ضئيلاً أيضاً، فضلاً عن أن درجة استعداد جسم الطفل للاستفادة من الحديد الموجود في لبن الأم تصل إلى 50% مقارنة بدرجة استعداده للاستفادة من الحديد الموجود بالألبان الصناعية والتي تصل إلى 7% فقط.
تاسعاً: لبن الأم.. يقي الأم من سرطان الثدي:
ثبت أن لبن الأم يساعد على استعادة قوامها ووزنها السابق قبل الولادة، ويقلل كمية النزف في الأسابيع الأولى بعد الولادة، كما يساعد على تقلص الرحم وعودته إلى حجمه الطبيعي. ولقد أظهرت الدراسات أخيراً أن الإصابة بسرطان الثدي يقل كثيراً في الأمهات اللاتي سبق أن أرضعن أطفالهن من أثدائهن.
عاشراً: مميزات أخرى.. لم تُكتشف بعد:
ناهيك عن أن لبن الأم سهل الهضم والامتصاص.. ومتوفر طوال الأربع والعشرين ساعة يومياً.. ولا يتطلب إعداداً خاصاً.. ولا يُحمل الأسرة أي نفقات.. ويوفر الوقت والجهد اللازمين لتقديم اللبن الصناعي.. وهو معقم ويصل إلى الرضيع في درجة حرارة مناسبة.. ثم هو مكيف، فهو بارد صيفاً دافئ شتاء.. ثم هناك مميزات أخرى لم تكتشف بعد!.
وسبحان الله الخالق المبدع العظيم القائل:
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد (فصلت- 53).