(ياليلة العيد آنستينا)
وفي مصر يأخذ العيد طابعا خاصا من البهجة والسرور في منظومة من الاعداد للعيد واستقباله قد لا تختلف كثيرا عن بقية انحاء العالم الإسلامي إلا انه يبقى لكل ركن من اركان هذا العالم ميزته الخاصة وطابعه المميز من خلال عدد من المفردات التراثية. يبدأ الاستعداد للعيد في مصر بشراء الملابس الجديدة للاطفال وحتى الشباب حيث تزدحم الشوارع في المدن والقرى طوال اسبوع كامل قبل العيد بالاسر التي تجوب المحال لشراء مستلزمات العيد من ملابس واحذية وايضا ربما المفروشات الجديدة ايضا. فالعيد في مصر يرتبط دائما بالجديد وتزدان المحال ابتهاجا بقدوم العيد. ومن الطريف في مصر ان ليلة العيد سواء كان عيد الاضحى أو عيد الفطر المباركين قد ارتبطت في اذهان المصريين بأغنية شهيرة لكوكب الشرق (أم كلثوم) اسمها (ياليلة العيد انستينا) ويعد انطلاق هذه الاغنية عبر الاثير اشارة على مقدم العيد. ويشتهر المصريون بـ(الرقاق) الذي يعد خصيصا للعيد وهو عبارة عن رقائق خفيفة صنعت من الدقيق المخلوط بالماء وتستخدم في صنع الصواني الشهيرة بالعيد حيث توضع بعضها فوق بعض يتخللها طبقات من اللحم المفروم ثم يوضع فوقها قدر بسيط من حساء اللحم ثم يزج بها في الفرن حتى تنضج. وقد جرت العادة ان يتم اعداد هذا (الرقاق) في الافران البلدية التقليدية حيث تنتشر صانعات الرقاق الريفيات قبيل العيد بفترة غير قصيرة ويجمعن الدقيق من المنازل ثم يقمن بعمل الرقاق وتوصيله إلى المنزل ولكن مع تطور الحياة بدأت المصانع في انتاج الرقاق الجاهز, لكن يبقى للرقاق التقليدي مذاقه ونكهته الخاصة التي قد تكون نابعة من كونيته الثقافية التراثية وارتباط هذا الشكل القديم بتقاليد وعادات توارثتها الاجيال منذ القدم.
الجد والعيدية والأفراح
الجد يرمز دائما لكل معاني الحكمة والوقار وهو حلقة الوصل بين الماضي والحاضر وله دائما مقامه الذي يحترمه الكبير قبل الصغير في العائلة فهو النقطة التي يلتقى عندها جميع افراد العائلة التي خرجت من نسله, وفي مصر تجتمع العائلة في منزل الجد عادة بدءا من التضحية حيث يقضي الجميع معظم اليوم فيما سمى (بالبيت الكبير) وهو بيت الجد أو الوالد والعيدية جزء لا يتجزأ من العيد حيث يعطى الكبير الصغير ويمنح الجد العيدية لجميع افراد العائلة كبيرا وصغيرا ثم تتوالى الادوار بمنح الكبار جميع صغار العائلة العيدية والمستفيد الاكبر بالطبع هو اصغر افراد العائلة سنا. ويكون العيد في مصر ايضا مناسبة خاصة يحرص فيها المصريون على نسيان همومهم وزيادة فرحتهم فتقام فيه الافراح وحفلات الزواج ليبتهج الجميع بفرحة العرس ممزوجة بفرحة العيد. كما تزدان شوارع مصر بالاضواء والزينات ويزدحم شاطىء نهر النيل عن آخره بالجماهير الغفيرة التي خرجت ابتهاجا بالعيد لتمضية اوقات جميلة في حضن النيل الخالد وربما كان ذلك انطلاقا من عادة اختزنها المصريون في عقلهم الباطن من ارتباط النيل بمعنى الحياة والسعادة فكما قال هيرودوت (فإن مصر هبة النيل).
وتجد الازدحام على اشده قبل العيد في جميع المخابز لأنها تستعد لعمل كعك العيد والذي هو سمة من سمات العيد في مصر، وتتفنن النساء في عمله مع الفطائر الأخرى والمعجنات والحلويات التي تقدم للضيوف. أما بيوت الله فتنطلق منها التكبيرات والتواشيح الدينية، حيث يؤدي الناس صلاة العيد في الساحات الكبرى والمساجد العريقة في القاهرة، وعقب صلاة العيد يتم تبادل التهاني بقدوم العيد المبارك، وتبدأ الزيارات ما بين الأهل والأقارب وتكون فرحة الأطفال كبيرة وهم يتسلمون العيدية من الكبار، فينطلقون بملابسهم الجميلة فرحين لركوب المراجيح ودواليب الهواء، والعربات التي تسير في شوارع المدن وهم يطلقون زغاريدهم وأغانيهم المحببة فرحين بهذه الأيام الجميلة.
الارتباط بالجذور
وفي اليمن يأتي العيد كأحدى المناسبات التي يبرز فيها مدى الترابط والتواصل داخل الاسرة والمجتمع اليمني المتمسك بأصالته وعاداته المستمدة من الدين الإسلامي. ويحرص اليمنيون على العودة إلى جذورهم في العيد فالمسافر خارج الدولة يعود اليها ومن يقطنون المدن من ابناء الريف يعودون إلى قراهم لتمضية عطلة العيد وذلك بسبب الترابط الاسري القوي الذي شكل عامل الدفاع والمحرك الاول للعادات اليمنية التي تبرز واضحة خاصة في فترة الاعياد فعندما يلقى الطفل جدة في العيد فإنه يقبل جبهته وركبته في اشارة على تواصل الاجيال واحترام الصغير الكبير اللانهائي. ولا تختلف عادات الاحتفال بالعيد في اليمن عن بقية الامثلة التي عرضنا لها إلا ان اليمنيين يحرصون على ابراز الجانب الاجتماعي في مراسم الاحتفال بالعيد فيعودون المرضى ويتبادلون الزيارات للتهنئة بحلول العيد في اعقاب الصلاة حيث يبدأون بزيارة اكبر افراد العائلة سنا انتهاء بأصغرهم كما تكثر في فترة العيد حفلات الزفاف والافراح. وقد يكون الطعام اليمني هو ما يميز اليمن في احتفالات العيد ففي الافطار يختلف اليمنيون في عادة تناول اللحم حيث يتناولون الكعك وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بالعيد سواء عيد الفطر ام عيد الاضحى. اما وجبة الغداء اليمنية في العيد فتشتمل على (الزربيان) وهو طبق من اللحم والارز وقد يضاف اليه الزبيب والبطاطا وايضا هناك (السبايا) وهي خليط من الدقيق والبيض والسمن يطهى في الفرن ويضاف اليها العسل اليمني الشهير الذي يعد من اشهر انواع العسل في العالم إلى جانب (السلتة) التي تطهى من الحلبة والكراث مع قليل من الارز وخليط التوابل المذابة في الخل والماء وتقدم مع خبز خاص يسمى بـ (الملوج) وهي كلها من الاكلات التي ارتبطت بالعيد. اما امسيات العيد في اليمن فتبدأ مبكرة حين يحرص اليمنيون على انهاء زياراتهم وجولات التهنئة في وقت مبكر للعودة إلى بيوتهم للالتفاف حول شاشة التلفزيون والاستمتاع بدفء المنزل في اجتماع شمل الاسرة لمشاهدة البرامج المميزة التي يبثها التلفزيون اثناء العيد من برامج تقدم الموروث الشعبي اليمني وحفلات ساهرة واعمال درامية عربية شهيرة سواء المسلسلات أو الافلام أو المسرحيات مع الاستمتاع بتناول الشاي اليمني وفواكه العيد.
نشاط في الأسواق
وفي تطبيق لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف يحرص جميع المسلمين على تحقيق صلة الرحم والتقارب والتواصل الاجتماعي خاصة في العيد حتى لا يشعر الفقير والمحروم انه قد سلب حقه في الفرحة بالعيد. وفي سوريا يظهر ذلك جليا وواضحا في حرص الاغنياء على العناية بالفقير تأخذ عادات وتقاليد السوريين في الاحتفال بالعيد طابعا اجتماعيا جميلا فقبل العيد يذهب اغنياء الحي ووجهاؤه إلى (مختار الحي) أو رئيس الحي لسؤاله عن حالة سكان حيه وعن الفقراء والمحتاجين منهم حيث يقدم كل منهم ما يستطيع تقديمه مما يملكه, فمثلا صاحب مصنع الملابس يقدم الملابس الجديدة لمختار الحي لتوزيعها على الفقراء وصاحب مصنع الاحذية يمنح الاحذية وهكذا ومن لا يملك ما يستطيع المساهمة به من ملبس وخلافه فإنه يقدم مبالغ مالية يتولى (مختار الحي) توزيعها على الفقراء قبل العيد. وتشهد الاسواق في سوريا حركة ونشاطا غير عاديين من البيع والشراء قبيل العيد لاقبال الاسر على شراء الملابس الجديدة لابنائهم وتبقى المحال مفتوحة على مدار 24 ساعة بلا توقف لمدة اسبوع كامل قبل العيد وتزدحم اسواق دمشق التقليدية واشهرها سوق (الحميدية) وسوق (النسوان) وسوق (الصوف). أما أشهر الأكلات السورية في العيد فهي (التسقية) (فتة بالسمن أو الزيت) و(الشاكرية) وهي عبارة عن لحم على هيئة مكعبات صغيرة يطهى مع اللبن والنشا ويقدم مع الأرز الأبيض أو البرغل. أما في الافطار فيحرص السوريون على تناول الفول (والمسبحة) (حمصمة مطحون مضاف للطحينة) كباقي ايام العطلات التي يداوم فيها السوريون على تناول هذه الوجبة في الافطار بها. اما المشروب الذي يقدم للضيوف لتحيتهم في العيد فهو دائما القهوة العربية والتي يطلق عليها (القهوة المرة). وفي امسيات العيد يتناول السوريون (الهيلاطية) والمعمول (بالفستق) إضافة إلى التمور بأنواعها. وفي صبيحة يوم العيد الأول يتوجه الجميع لزيارة الاقارب لتقديم التهنئة بينما يخرج الأطفال إلى الشوارع والمتنزهات مثل حدائق الطلائع وحديقة (البرامكة) و(الأرض السعيدة) للاحتفال بالعيد. أما فترة بعد الظهر وحتى المساء فيقضيها الجميع في الراحة في المنزل ويكتفون بمشاهدة التلفزيون وتجاذب أطراف الحديث في جو من الهدوء والسكينة مع الاستعداد الدائم لتلقى من قد يفد من الضيوف للتهنئة. أما اليوم الثاني فتزور فيه الأسر بناتها المتزوجات في بيوتهن حيث ان العيد في سوريا لا يكتمل إلا باكتمال حلقات التواصل وتأكيد صلة الرحم بين أبناء الشعب السوري.