مشكلة التعارض بين الدين والعلم نشأت في اوربا , بعيدة كل البعد عن الروح الاسمية التي حثت الانسانية على التعلم , والتي ولد المنهج العلمي – الذي يسمونه : ( المنهج الحديث ) – بين ربوعها , والتي انشأت على اساس من هذا المنهج حضارة ضخمة لاتزال تكشف كل يوم عن الكثير من ابحاثها العميقة , وما من شك في ان الحضارة الاسلامية هي التي قدمت للحضارة الغربية الحديثة منهجا , وقدمت لها الكثير من الحقائق العلمية في مجالات العلوم المختلفة للعلوم والفنون والفكر .
اما المنهج العلمي الحديث في اوروبا يرجع الى ( روجر بيكون ) فهو الذي اذاعه ونشره في ارجاء اوربا , ولكن الاستاذ ( بريفولت )يتحدث في كتابه ( بناء الانسانية ) فيقول عن ( روجربيكون )انه درس اللغة العربية والعلوم العربية في مدرسة اكسفورد على خلفاء العرب في الاندلس , وليس ل( روجربيكون ) ولا ل( فرنسس بيكون ) الذي جاء من بعده الحق في ان ينسب اليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي , فلم يكن روجربيكون الا رسولا من رسل العلم والمنهج الاسلاميين ال اوربا المسيحية , وهو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه اللغة العربية وعلوم العرب الطريق الوحيد للمعرفة الحقة . ونحن نرى ان المناقشات التي دارت حول واضعي المنهج التجريبي هي طرف من التحريف الهائل لاصول الحضارة الاوربية , فقد كان منهج العرب التجريبي في عصر بيكون قد انتشر انتشارا واسعا , وانكب الناس في لهف على تحصيله في ربوع اوربا ابان عصور عديدة .
ويقول ( بريفولت ) ايضا : لقد كان العلم اهم ما جادت به الحضارة العربية على العالم الحديث , ولكن ثماره كانت بطيئة النضج . ان العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب في اسبانيا لم تنهض في عنفوانها الا بعد مضي وقت طويل على اختفاء تلك الحضارة وراء سحب الظلام وسجفه , ولم يكن العلم وحده هو الذي اعاد اوروبا الى الحياة , بل ان مؤثراتت اخرى كثيرة من مؤثرات الحضارة الاسلامية بعثت باكورة اشعتها الى الحياة الاوروبية .
واذا كان الاسلام , هو الذي انشأ هذا المنهج وهذا العلم , فمن الطبيعي الا يتعارض معه , لذلك فنحن نشدد هنا على ان مسألة التعارض بين الدين والعلم ,انما هي مسألة وهمية , اذا نظرنا الى حقيقة الامر .
وذلك ان العلم دائرته : المادة والحس , اما الدين ,فدائرته : ما وراء الطبيعة , الخير والفضيلة . انهما لا يلتقيان في الموضوع فكيف يتعارضان ؟
ان ملاحدة العصر الحاضر يتوهمون مشاكل لا اساس لها , ثم يضعونها على بساط البحث , ويتناقشون فيها ويتجادلون , وعلى مر الزمن تغدو مألوفة في حين انها وهمية وصورة من ظلال الحقائق , وقد يظن بعض الناس انها مشاكل جديرة بالبحث والنظر : من ذلك مسألة التعارض بين العلم والدين التي ترفع الى مستوى جاد فاصل , في حين انه لا اتحاد بين موضوعيهما ولا تناسب .[center]