الخير كلُّه في الدنيا والآخرة من فضل الله تعالى وبيده ، وثبوته ودوامه للنَّاس ، ونماؤه وزيادته منه عز وجل ، والتوفيق للخير من رحمة الله بعباده ، وإرادته إسعادهم ،
وكلُّ ذلك يُسمى البَرَكَة .
قال تعالى :[ ولو أنَّ أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ] .
فالبركات : جميع الخيرات والأنعام والأرزاق ، والأمن ، والسلامة من الآفات ، وكلُّ ذلك من فضل الله وإحسانه على عباده .
فالبَرَكَة منحة من الله يسبغها على من شاء من عباده ليسعدهم ، متى أطاعوه ، وحفظوا أمره ونهيه ، واستقاموا على شرعه ، قال الله تعالى [ يا أيُّها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ] وقال تعالى [ فاذكروني أذكركم ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك )) .
وبهذا نعلم أنَّ البَرَكَة منحة إلهية مرتبطة بالطاعة ؛ فمتى أطاع العبد ربَّه بارك له في عمره ، فبقي العبد متقلباً طوال أيامه من طاعة إلى طاعة ؛ وبارك له في ولده .
وإن كان عددهم قليلاً إلا أنَّ صلاحهم ، واستقامتهم ،وبرَّهم بوالديهم يُنسي تلك القلة ، ويحيلها إلى كثرة ؛ وبارك له في ماله ، فحفظه من السرقة ، أو من استعماله في حرام ، وأراح خاطره من التعلق به ، وصار المال في يده مملوكاً لا مالكاً .
وبارك له في بدنه ، فَسَّلَّمَه من الآفات ، وسخره في الطاعة ؛ وبارك له في نفسه ، فعاش مطمئناً سعيداً ، منشرح الصدر ، وهكذا يُسهّل له العسير ، ويفتح له المنغلق ، ويعيش في سعادة ورضا بما عنده .
وفي رمضان نرى كثيراً من ذلك يتحقق في حياة الصالحين من عباد الله تعالى ، فنرى الطمأنينة في أنفسهم ، والرغبة في الخير ، والازدياد منه ، حتى أنَّ أحدهم يبكي لفراق رمضان ، لما يرى من قوة إيمانه فيه ، وتذوقه لذة المناجاة ، وشوقه إلى ربِّه .
ونرى البَرَكَة في أجساد بعض الصائمين ، واحتمالهم لشدائد يعجز عنها الصائمون من غير أهل الصلاح ، وانظر إلى جَلَدِهم في قيام الليل ، ومواصلة الذكر ، والحرص على الطاعة ، تجد ذلك ظاهراً ؛ ونرى البَرَكَة في أوقاتهم ، حتى أنَّ أحدهم يختم المصحف مرَّات عدَّة في شهر رمضان ، مع مشاغله المتعددة ؛ فأين أنت ، يا عبد الله ، من هذه البركات التي يفيض بها على من شاء من عباده ربُّ الأرض والسماوات ؟