في ذكر بعض اسباب الحسد
للحسد اسباب كثيرة ، يرجع اكثرها الى رؤية الذلة في النفس ، تماما كما ان الكبر ، ـ نوعا ـ يتم على عكس ذلك . فكما ان المرء عندما يجد في نفسه كمالا لا يجده في غيره ، تنشا عنده حالة من الترفع والتعزز والتعالي في نفسه ، فيتكبر . واذا لاحظ الكمال في غيره ، انتابته حالة من الذل والانكسار . ولولا وجود عوامل خارجية ولياقات نفسانية ، لنتج من ذلك الحسد . وقد ينشا من تصور ذلته في تساوي غيره معه ، مثل ان يحسد صاحب الكمال والنعمة مثيله او الذي يليه . ويمكن القول ان الحسد هو ذلك الانقباض والذل النفسي اللذان تكون نتيجتهما الرغبة في زوال النعمة والكمال عن الآخرين . وقد حصر بعضهم ـ كالعلامة المجلسي قدس سره ـ (1) اسباب الحسد في سبعة امور :
«الاول : العداوة .
الثاني : التعزز : ان يكون من حيث يعلم انه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه .
الثالث : الكبر : ان يكون في طبعه ان يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته وهو المراد بالتكبر .
الرابع : التعجب : ان تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما اخبر الله تعالى عن الامم الماضية اذ قالوا : «ما انتم الا بشر مثلنا» (2) و«انؤمن لبشرين مثلنا» (3) وامثال ذلك كثيرة فتعجبوا من ان يفوزوا برتبة الرسالة والوحي والقرب مع انهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب .
الخامس : الخوف : ان يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بان يتوصل بها الى مزاحمته في اغراضه .
السادس : حب الرئاسة : ان يكون يحب الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها .
السابع : خبث الطينة : ان لا يكون بسبب من هذه الاسباب بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله» .
ولكنني اعتقد كما اشرت اليه سابقا ، ان معظم هذه الاسباب بل كلها تعود الى رؤية ذل النفس ، وان السبب المباشر للحسد حسب التعريف المشهور له هو ما ذكرناه ـ انبعاث الحسد من رؤية ذل النفس فلا مجال لذكر هذه الاقسام ـ . واما بناءا على ما ذكرنا في معنى الحسد من ان نفس هذه الحال تكون حسدا فلا اعتراض على صحة ذكر هذه الاقسام . وعلى اي حال يكون البحث حول هذه المعاني بعيدا عن مقصودنا وعن طبيعة موضوعنا .