الســـــــــــــــور
كان (ر) غنياً جداً لذا كان يحصل على ما يريد بدون عناء فقد كانت الملايين التي يمتلكها تفتح له الأبواب المغلقة وقلوب النساء في أحد الأيام بينما كان داخلاً إلى مكتبه وجد في مكتبه سكرتيرته فتاة تبدو من ملامحها بأنها من جنوب شرق آسيا، بعد دخوله بدقائق جاءت سكرتيرته الحسناء تقدم بعض الأوراق لتوقعيها وعندما سألها عن الفتاة التي تجلس في الخارج قالت له بأنها جاءت بناء على إعلان وظيفة، وطلب (ر) أن يرى أوراقها، وبعد تدقيق في تلك الأوراق لم يدم طويلاً أمر بتعيينها، انتهى الأمر عند هذا الحد وبدأت (ي) تمارس مهامها.
في أحد الأيام جاء وفد من جنوب شرق آسيا وبالتحديد من البلاد التي تنتمي إليها (ي) في زيارة الشركة ومصنع (ر) لذا عندما قام (ر) باستقبال الوفد حرص أن تكون (ي) معه وذلك كنوع من الحفاوة بالوفد.
انتقل الوفد إلى جناح في فندق ضخم كان (ر) قد حجزه له استمرت زيارة الوفد ثلاثة أيام كان خلالها (ي) ترافق (ر) في كل تحركاته مع الوفد سواء في مكاتب الشركة أو المصنع أو الفندق وحتى في الرحلات الصحراوية التي نظمها (ر) لضيوفه، خلال تلك الفترة أحس (ر) بأن (ي) إنسانة رقيقة جداً وناعمة وتمتلك من الأنوثة ما يجعله يفكر فيها بل ويحبها أيضاً.
بعد أن خرجت السكرتيرة الخاصة بـ (ر) في إجازة سنوية أمر (ر) بأن تكون (ي) هي سكرتيرته الخاصة، حيث كان لقاؤه بها يومياً، كان (ر) حريصاً أن يأتي في وقت مبكر للشركة فقط ليلتقي مع «ي» وفي لحظة من اللحظات، أحس بأنه يجب أن يترفع عن هذه الأمور، فهذه الآنسة «ي» لا يمكن أن تكون بمستواه وإن كان فعلاً يميل إليها فهي بالتأكيد لا تعدو عن كونها نزوة ستزول بسهولة معها وهي بالتأكيد لن تعارض في أن تسهر معه في فندق خمسة نجوم، لكن مشاعر «ر» كانت أكبر من مجرد متعة، لذا قرر أن يقطع الشك باليقين ويدعوها إلى سهرة خاصة في نهاية الأسبوع.
قبل انتهاء الدوام في الشركة طلب «ر» من «ي» أن تقبل دعوته على العشاء على أن يقضيا في مدينة «®®.» يومي نهاية الأسبوع. وأضاف لقد حجزت جناحاً في فندق «®®®®.» لذا عليك أن تستعدي لذلك وسأمر لأخذك من أمام سكنك الساعة التاسعة ليلاً، كان «ر» يتكلم بلغة الواثق من أن «ي» ستستجيب له، إلا أنه صُدم عندما قالت له بصوت خافت لا يكاد يسمعه «أنا آسفة يا سيد فلن أستطيع أن أحقق لك ذلك».
ما كاد «ر» يسمع هذه الجملة حتى ثار على وجهها قائلاً لها من أنت حتى ترفضين دعوتي؟ هل تعلمين من أنا؟، ثم كيف ترفضين طلبي لك رغم أنك تعلمت في شركتي وتأكلين من خيري؟... من تظنين نفسك أيتها الإنسانة البائسة؟
كانت «ي» تستمع وهي تتقطع ألماً، فلم تجد شيئاً يخفف عنها هذا الموقف إلا الدموع التي بدأت تسيل على خديها، وبعد أن أنهى «ر» تهديده ووعيده وثورته استأذنت «ي» في الانصراف.
بعد هذا الموقف أحس «ر» بحب شديد تجاه «ي» فهو في حقيقة نفسه يحبها لكن كبرياءه وما لديه من جاه وأموال يمنعه من الإفصاح بذلك إضافة إلى هذا فإنه رجل متزوج ولديه ثلاثة أولاد وزوجته من عائلة كبيرة وغنية جداً.
أحس «ر» في إجازة نهاية الأسبوع بأنه شبه ضائع كأنه لم يرَ ولم يسمع صوت «ي»، حاول أكثر من مرة أن يتصل بها على هاتفها النقال، إلاّ أنه كان يتراجع قبل أن يمسك هاتفه، لذا كان عليه أن ينتظر حتى يعود إلى الشركة عندها فقط يمكنه أن يراها ويكلمها بصفتها سكرتيرته، وبطريقة لن تحط من كبريائه.
في صبيحة اليوم التالي ذهبت «ر» مبكراً إلى مكتبه لكن «ي» لم تكن موجودة، فقال في نفسه ستأتي بالتأكيد بعد قليل، لكن الساعة تجاوزت التاسعة، سأل «ر» عن سكرتيرته «ي» فأخبروه بأنها مريضة في المستشفى.
أحس «ر» بانزعاج شديد، فطلب من مسؤولة العلاقات العامة في الشركة أن تذهب إلى المستشفى ومعها باقة ورد، وأن تدفع تكاليف المستشفى وأن تقدم إلى «ي» كل ما تريد. أحس «ر» بأن عليه أن يذهب هو بنفسه للاطمئنان على «ي»، لذا تحين أن يذهب إلى المستشفى بعد انتهاء موعد الزيارة، وذلك حتى لا يراه أحد من موظفي الشركة.
الساعة العاشرة ليلاً دخل بينما كانت «ي» تقرأ إحدى المجلات تفاجأت بـ «ر» يقف أمام سريرها حاملاً لها هدية وباقة من الورد، وبدون أن يتكلم بكلمة واحدة جلس إلى جانبها وأخذ يدها وقبلها، نظرت إليه وابتسمت ابتسامة كانت قادرة على أن تجعل «ر» يفقد صوابه أحس «ر» أنه لا يستطيع أن يستغني عنها، لذا قال لها بأنه يحبها وأنه يريد أن يتزوجها، لكنه طلب منها أن يكون الزواج سراً، وأن تقدم استقالتها من الشركة وتعلن فيها بأنها ستعود ثانية إلى بلادها.
وافقت (ي) على كل ذلك، وفعلاً بعد خروجها من المستشفى توجهت إلى الشركة وقدمت استقالتها، حيث قبلها (ر) فوراً.
كان (ر) قد جهز شقة فاخرة في مكان فاخر وفي برج فاخر لتكون عش الزوجية، وفعلاً تمت الأمور كما كان (ر) قد خطط لها وبدأ حياته مع (ي) كانت (ي) مخلصة جداً في حبها ل(ر) فقد تزوجها وحقق لها أغلى أمنياتها حتى أنه اشترى لها أرضاً في مكان جميل في بلادها وبنى لها فوقها منزلاً رائعاً.
كانت حياة (ي) كلها مسخرة لإسعاد زوجها وكذلك كان هو، فلم يبخل عليها بأي شيء كانت تريده، كان ل(ر) مزرعة بعيدة عن المدينة، وكثيراً ما كان يأخذ (ي) إلى هناك ويقضيان نهاية الأسبوع.
في أحد الأيام جاء (ر) إلى مركز الشرطة قائلاً بأنه يريد أن يقابل مدير المركز لأمر مهم، وفي أثناء اجتماعه مع المدير أخبره بأنه متزوج من (ي) وطلب من مدير المركز ألا يخبر أحداً بذلك حفاظاً على مكانته الاجتماعية وحتى لا تعرف زوجته وأولاده بذلك، وافق مدير المركز على ذلك، عندها بدأ (ر) يقول بأنه عاد من الشركة إلى الشقة التي استأجرها لزوجته (ي) لكنه لم يجدها، انتظرها يوماً ويومين ولم تعد، سأل عنها في المستشفيات وفي كل مكان يمكن أن تذهب إليه إلا أنه لم يجدها حتى أنه سأل أهلها فأخبروه بأنهم لم يتلقوا أي اتصال منها منذ ثلاثة أيام أو أكثر، وحاول (ر) أن يتصل بها على هاتفها النقال لكن الهاتف مغلق.
وقال (ر) بأنه خائف أن يكون قد وقع لها مكروه، لذا فإنه هنا يريد مساعدة الشرطة في البحث عنها.
طمأن مدير المركز (ر) قائلاً له بأنه سيتدبر الأمر، ثم أخذ من (ر) صورة من عقد الزواج وصورة ل(ي) ليسهل على الشرطة معرفتها والبحث عنها.
بدأت الأيام تمر بطيئة على (ر) فقد مضت أكثر من خمسة أشهر من دون أن يتمكن من الوصول إلى أي معلومة عن زوجته (ي).
وجد (ر) أن أفضل طريقة هو أن يذهب إلى مدير المركز ويطلب منه أن تعرض الشرطة مبلغ خمسة ملايين دولار لمن يرشد عنها، لعل هذا الأسلوب يأتي بنتيجة، وفعلاً تم الإعلان عن مبلغ خمسة ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات عن (ي)، تم توزيع صورة (ي) على مراكز الشرطة في الدول المجاورة، وكذلك على مكاتب الانتربول لعل وعسى.
وهكذا مرت ست سنوات من دون أن يتمكن أحد من فك لغز اختفاء (ي)، أو معرفة أي شيء عنها، كان (ر) خلال تلك الفترة قد دخل في مناقصات وفي سوق الأسهم الذي خسر بسببه خسارة كبيرة، كما أن تجارته لم تعد كالسابق، فلم يعد يهتم بشؤونه المالية حتى أنه بدأ يستدين من البنوك لتسيير أموره.
وخروجاً من أزمته المالية قرر (ر) أن يبيع مصنعه، وفعلاً فقد كان ثمن المصنع أفضل منقذ له، حيث استأنف نشاطه التجاري من جديد وبدأت ظروفه المالية تتحسن بل وتعود إلى سابق عهدها، في أحد الأيام قرأ في صحيفة أجنبية بأن دولة أوروبية ستعرض سفناً للبيع في مزاد علني، فكر (ر) جيداً في هذا الأمر، لكنه وجد أن المبلغ الذي يمتلكه لا يفي بالغرض في حالة رسو المزاد عليه، لذا قرر أن يبيع مزرعته، لكنه حتى وبعد ذلك لم يكن المبلغ كافياً لذا بدأ الاتصال بأصدقائه للدخول في مشروع مزاد السفن.
سافر (ر) لحضور المزاد مع أصدقائه في حين قام الشخص الذي اشترى المزرعة بإعادة تأهيلها من جديد، فقد كانت المزرعة مهملة كثيراً بأشجارها وممراتها وسورها، لذا بدأ صاحب المزرعة الجديد أولاً في إعادة بناء السور، لكن المفاجأة كانت انه في أثناء الحفر في إحدى زوايا السور وجد العمال هيكلاً عظمياً، قام العمال بإخبار صاحب المزرعة الذي قام بدوره بإخبار الشرطة التي بدأت التحقيق في الموضوع.
قامت الشرطة بالتحفظ على الهيكل العظمي حيث تم تحويله إلى المختبر الجنائي والذي أفاد بأن الهيكل العظمي يعود لسيدة في أواسط العشرين من عمرها وانها ماتت مقتولة بضربة على رأسها بأداة حادة وان تاريخ وفاتها يعود إلى ما بين خمس إلى ست سنوات. من خلال التحقيقات الأولية كان من الواضح أن المشتري الجديد للمزرعة ليس له علاقة بالجريمة وأن الجريمة وقعت عندما كانت المزرعة ملكاً لـ (ر)، ولهذا تم التركيز على (ر) والعمال الذين كانوا يعملون عنده في المزرعة.
عندما اتصل أحد ضباط الشرطة بـ (ر) عرف أنه موجود في الخارج في هذا الوقت كانت الفحوص مستمرة على الهيكل العظمي حيث تبين من فحص الـ (DNA) بأن صاحبته تعود إلى جنس من دول جنوب شرق آسيا.
تم وضع كل هذه المعلومات على جهاز الكمبيوتر وتم وضع الطول المفترض للمرأة من خلال طول هيكلها العظمي كما تم تقدير وزنها من خلال حجم العظام حيث كان وزنها يتراوح ما بين (55-60) كيلو غراماً، بعد وضع كل المعلومات في ذاكرة الكمبيوتر ظهرت على الشاشة صورة تشبه بنسبة 98% الصورة التي لدى الشرطة والخاصة بـ (ي).
بعد رجوع (ر) من السفر تم استدعاؤه إلى مركز الشرطة حيث عرضت عليه الصورة المخزنة في ذاكرة الكمبيوتر عندما شاهد (ر) الصورة أحس بفزع كبير قائلاً يا إلهي إنها (ي) كيف توصلتم إلى ذلك، هنا قال له الضابط بأن (ي) موجودة وان أحد المخبرين رآها في مركز تجاري مع شاب يبدو أنه من جنسيتها، كان الضابط يراقب كل حركة من حركات (ر) كما كانت كاميرا فيديو تسجل اللقاء بكل تفاصيله.
هنا قال (ر) أين رأيتموها لا أظن أنكم رأيتموها، فقال له الضابط لماذا لا تظن؟
فقال (ر) مستدركاً لو كانت (ي) على قيد الحياة فهي بالتأكيد ستتصل بي فأنا زوجها وأحبها وكذلك هي.
كانت تصرفات (ر) تبدو غير طبيعية وكان الضابط من الذكاء بحيث كان يستدركه لمزيد من الحركات، هنا قال (ر) لا أظن أن (ي) هي صاحبة الصورة فهي لفتاة تشبهها فقط، قال له الضابط ربما لكننا سنستمر في التحري حتى نصل إلى الحقيقة.
ثم استأذن (ر) في الانصراف طالباً من الضابط إخباره بأي شيء إن توصلوا إلى مكان (ي) أو أية معلومات عنها، شد الضابط على يده مودعاً وواعداً إياه بذلك بعد خروج (ر) تم عرض شريط المقابلة على إحدى الاختصاصيات النفسية والتي قالت بأن (ر) يعرف الكثير عن مصير (ي) وانه يخفي معلومات مهمة عنها.
في هذه الأثناء تم أخذ إذن من الجهات المختصة بمراقبة هاتف (ر) ثم تم الإيعاز إلى إحدى المخبرات لأن تتصل بـ (ر) لتقول له بأن (ي) عندها وتعيش معها في الشقة وطلبت المخبرة من (ر) أن يعطيها مبلغاً كبيراً من المال مقابل عدم إخبار الشرطة، لكن (ر) رفض ذلك قائلاً لها إن ما تقوله كلاماً سخيفاً وانه سيخبر الشرطة إن اتصلت به مرة أخرى.
بعد يومين اتصلت المخبرة بـ (ر) قائلة بأن لديها معلومات عن (ي) وعن محاولته قتلها وأنه إذا لم يحضر لها المبلغ المطلوب فإنها ستعطي الشرطة شريطاً مسجلاً بكل ما لديها من معلومات عن (ي) هنا انفجر (ر) غاضبا وقال لها بان (ي) ماتت من ست سنوات وأن أحداً لن يصل إليها وان هذه المكالمات لن تجدي نفعاً لأن الأموات لا يعودون.
بناء على هذه المكالمة تم استدعاء (ر) للتحقيق معه من جديد ولكن هذه المرة بتهمة إخفاء معلومات عن مقتل (ي).
استمر التحقيق مع (ر) لأكثر من ثلاث ساعات اعترف بعدها بأنه هو الذي قتل (ي) وهو الذي دفن جثتها تحت السور، وقال (ر) بانه اخذ (ي) إلى المزرعة لقضاء نهاية الأسبوع هناك وأنه كان يعمد إلى الطلب من العاملين في المزرعة ترك المزرعة في الوقت الذي تكون فيه (ي) معه وذلك كي لا يراها أحد.
وأضاف بانه في تلك الليلة شرب كثيراً وان (ي) أخبرته بأنه حامل وقال عندما سمعت ذلك غضب غضباً شديداً ودار بيننا نقاش حاد ذكرتها خلاله بالاتفاق الذي كان بيننا قبل الزواج وهو أن لا تنجب.
وأضاف (ر) بان (ي) استفزتني عندما قال بأنها تريد طفلاً شأنها شأن أي امرأة في العالم فهذا الطفل سيملأ فراغها، فما كان مني إلا أن ضربتها على رأسها بقنية كانت بجنبي حيث بدأت الدماء تنزف من رأسها حاولت إسعافها لكن نزف الدماء استمر بشكل غير منقطع، وأشار (ر) إلى أن (ي) كانت تضع يدها على بطنها وتقول أنا أريد أبني... أرجوك يا (ر) أريد ابني.. لا أريده ان يموت معي.
انفجر (ر) في نوبة بكاء شديدة وهو يقول لم أكن اقصد قتلها، لم أكن اقصد قتل ابني، فأنا لا أزال أحبها.. أرجوكم أخبروها بأنني لا أزال أحبها.. عندما ترونها قولوا لها بانني لا أمانع في أن تنجب..!!
ثم نقل (ر) إلى المستشفى حيث بقي فيه ثلاثة أيام وبعد أن تعافى تم إعادة التحقيق معه مرة ثانية حيث قال عندما ماتت حفرت لها تحت السور ودفنتها هناك ثم جئت لأقدم بلاغا باختفائها ولقد بقي الأمر سراً لولا أنني بعت المزرعة إلى شخص قام بتجديد السور فانكشفت الجريمة.
أحيل (ر) إلى القضاء لاتخاذ الإجراء المناسب في حقه حيث تسبب في موت زوجته وأبنه.
من جانبه قال الضابط بانه كان يشك بان (ر) وراء اختفاء مقتل (ي) بعد العثور على هيكلها العظمي وذلك لسبب بسيط وهو أن (ر) أفاد في البداية بان أحدا لم يكن يعرف بانه متزوج من (ي) لذا فان احدا لم يأخذ (ي) إلى المزرعة الا هو لان (ي) لن تذهب وحدها إلى المزرعة لان أحدا لا يعرفها هناك.