واقع المرأة في إطار الموروثات الثقافية السائدة
أرست الموروثات الثقافية السائدة صورة نمطية عن المرأة شكلها العديد من المتغيرات,من بينها أساليب التنشئة الاجتماعية ..ودعمتها الأساليب الاتصالية,وأكدها أصحاب الفكر الرجعي في المجتمع.
ويلعب اسلوب التنشئة الأسرية دوراً كبيراً,وهو الذي يتولاه بشكل أساسي الآباء الذين يرثون عادات وتقاليد مجتمعاتهم التي يعيشون فيها,مشكلين بذلك ضغوطاً حضارية يمارسونها على أبنائهم عن طريق تدعيم اتجاهات بعينها مقبولة في إطار المجتمع الذي يعيشون فيه,مع استعباد أخرى ليس لها نفس الدرجة من التقبل والشيوع داخل تلك المجتمعات..من هنا تتضح أهمية دور الوالدين في تشكيل شخصية الأبناء باعتبارهم يمكلمون إمكانيات أكثر تأثيراً على النمو النفسي والاجتماعي للأبناء,فهم من ناحية الموصلون الأساسيون للمفاهيم الاجتماعية,ومن ناحية أخرى المهيمنون على تنشئة الأبناء بشكل مؤثر وفعال.
ولأننا نعيش في حضارة تعطى الأولوية للطفل الذكر وتخصه بمميزات لاتحصل عليها الطفلة الأنثى,لذا ينتقل الاتجاه الى معاملة الفتاة عبر افراد الأسرة,وبالتالي الى بقية أفراد المجتمع,فتعامل على أنها النوع الأضعف والأقل قدرة والأدنى مكانة,ويسود ذلك المنحى الفكري لدى العامة..وهنا تشيع فكرة النقص الأنثوي التي ترجع الفروق بين الجنسين الى عوامل وراثية..
ذلك المنحي الذي توصلت الوسائل الموضوعية في القياس الى عدم صحته,والى إرجاعه – إن وجد – الى عوامل التنشئة الاجتماعية التي تدعم الفروق بين الجنسين منذ المراحل العمرية المبكرة.
ويشير العديد من الدراسات الى أن قدرات الفتاة تهدر مع الزمن بعد مرحلة البلوغ ..فالمتتبع لبحوث القدرات العقلية للفتيات منذ فجر حياتهن حتى مرحلة الرشد! يلاحظ عدم وجود فروق جوهرية بينهن وبين الذكور,بل يتفوقهن عليهم في مرحلة ماقبل المدرسة,وفي سني الدراسة الأولى في بعض جوانب الذكاء,بل وفي القدرات اللفطية,فيبدأن الكلام واستخدام جمل أكثر طولاً,ويتحدثن بقدر أكبر من الطلاقة,وأيضاً في إدراك السلوك الاجتماعي المناسب.
بل يتفوقن عليهم في بعض القدرات الرياضية في مرحلة التعليم الأساسي,ولكن بارتفاع العمر,ومع الوصول الى مرحلة الرشد,يقل هذا التفوق..فيتساوى الجنسان أو يكادان ثم يبدأ الرجال في التفوق في الحياة العملية,في حين تحرم المرأة من التشجيع الكافي على التفوق والتنافس..ويتم التأكيد على دورها الأنثوي التقليدي لكي تصبح قادرة على القيام بأدوراها داخل البيت كزوجة وأم.اما الآمال العلمية والتطلعات العملية فتترك للرجال,ومن هنا يتشكل منذ البداية الدوران المختلفان اللذان فرضهما المجتمع على كل من الرجل والمرأة.
وتسهم بعض العوامل الأخرى في تدعيم ذلك التصور السائد,من بينها وسائل الإعلام والوسائط الثقافية المختلفة,التي يدعم جانباً كبيراً من مادتها أدوار الجنسين,فتبرز قضايا المرأة الهامشية دون قضاياها المهمة أو القومية,وكأنها مخلوق معزول عن المجتمع لايتأثر بمشكلاته العامة أو تشغله قضاياه الملحة,أو تتفاعل مع تغيراته السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية فقضايا مثل الأدوار المستحدثة التي يمكن ان تقوم بها من أجل تنمية مجتمعها او حل مشكلاته داخل العمل وخارجه,أو مشكلات المهنة وصراع الدور,والتوفيق بين أدوارها المختلفة..كذلك الموضوعات المتعلقة بحقوقها الإنسانية والشرعية,ومايكفله لها القانون من حقوق في مجال الأحوال الشخصية,أو قضية تحررها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات,كلها قصايا نادراً ماتطرح,وإن طرحت فمن خلال إطار فكري يقلل من مكانتها ومن قيمة الأدوار التي يمكن ان تقوم بها في مجال تنمية مجتمعها.
ومن خلال التنشئة الاجتماعية,وماتقدمه وسائل الاتصال والوسائط الثقافية المختلفة,ومساعدة اصحاب الايديولوجية الفكرية التقليدية..يرسم المجتمع للمرأة صورة نمطية يصعب الخروج من أسرها,مستخدماً في ذلك أساليب التدعيم المباشر,كأسلوب القبول الاجتماعي الذي يعمل على إثابة اتساق المرأة مع القالب النمطي السائد,أو أسلوب الاستهجان الاجتماعي الذي يعمل على استنفاد السلوك الذي يتعارض مع الدور المرسوم ويؤكد حصر المرأة في أدوار محددة لاتخرج عنها تتم عادة داخل البيت وليس خارجه.[center]
موضوع: واقع المرأة في إطار الموروثات الثقافية السائدة 
السبت أغسطس 04, 2007 6:29 pm
