الصيام عبادة متقدمة التشريع ، فرضها الله تعالى على الأمم السابقة ، قال تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُم الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] .
فهي عبادة مفروضة علينا كما كانت مفروضة على من كان قبلنا ، إلا أنَّ صورة أدائهم لها مختلفة عن صورة أدائنا ، وذلك أنَّ كلَّ أمَّة قد خصهم اللهُ تعالى بشريعة ومنهاج يختلف عمن عداهم من الأمم، قال تعالى [ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدةً وَلَكِن لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ ءَاتَكُمْ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ] فلكلُّ أُمَّة طريقتها التي أمرهم الله أن يعملوا بها ، إلى أن بُعث محمَّد صلى الله عليه وسلم فكانت شريعته مهيمنة على جميع الشرائع ، ناسخة لما جاء فيها ، وأصبح صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع دون سائر الأنبياء .
ولله الحكمة البالغة حين خالف بين شرائعهم ليبلوا عباده أيُّهم أحسن عملاً ، فيظهر من يطيعه بعمله ، ويظهر من يعصيه بعمله .
ومن صور الصيام قبل الإسلام : ما وقع من مريم في قوله تعالى : [ فَإِمَّا تَرَينَّ مِنَ البَشرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلْرَّحمَنِ صَوماً فَلَن أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسيّاً ] فهذا صيام عن الكلام .
ومنه صيام داود عليه السلام ، حيث كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وهو أفضل الصيام .
ومنه صيام يهود اليوم الذي نَجَّى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق وأهلك فرعون .
أمَّا شريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم فهي أكمل الشرائع ، جمع الله تعالى كلَّ خير كان في غيرها فيها ، ففرض على المسلمين صيام شهر رمضان ، وشرع لهم التنفل بصيام غيره من الأيام إلى أن يصلوا به إلى أفضل مراتب الصيام .
اللهم وفقنا لتحقيق طاعتك ، يا كريم !