رودي هوود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
masriaana
المدير العام
المدير العام
masriaana


عدد الرسائل : 1350
العمر : 43
تاريخ التسجيل : 04/08/2007

تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني Empty
مُساهمةموضوع: تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني   تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني I_icon_minitimeالأحد أغسطس 12, 2007 10:14 pm

وفي كل مرة كان يعود وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا ..
ثم عرف رمضان الطريق إلى المستشفى السري، وتعرف في طابور المرضى على رفاقه، وآنسته الصحبة بقدر ما امتلأ الكيس الذي خيطته له نعيمة بزجاجات الدواء، وفرغ الكيس وامتلأ، وانغرزت الإبر في عروقه وفي عضلاته،ودخل المستشفى وخرج ..
وجاءت حماته ومعها بعض النقود، وراحت النقود كما راحت غيرها، ولم تفرغ مشورات الحماة ونصائحها ولا آراء الأهل وأطراف الأهل ..
واستمر رمضان يفتش عن رجولته في كثير من اليأس، سائلاً كل مَن يلقاه، جارياً وراء كل مشير، متتبعاً كل إصبع، وحديثه أثناء ذلك لا يدور إلا عن البحث الذي وهب له نفسه. والحديث يدور في صلاة الجمعة، وعلى القهوة، وفي سوق السمك، وعلى محطة الترام، ومع تومرجي المستشفى، وحتى مع حضرة الضابط. كل هذا .. والحال مثل الحال ..
كان الحديث يدور بين رمضان ونعيمة فوق السطح والشمس تدفئهما في ذلك اليوم من أيام الشتاء. وكأحاديث الضحى الدافئ كان الكلام يشرق ويغرب في كسل هادئ، والوقت يمضي، ورمضان في يوم راحته لا يَسأل ولا يُسأل، ونعيمة قد اشترت ((سردين)) الغداء من الصباح، وتمددت في استسلام فاتر. ودار الحديث ودار. وكانت لهجة رمضان أرق ما يكون، فلعله فكر كثيراً في امرأته. وأنّب نفسه كثيراً حين فكر، فاختار هذا اليوم بالذات، وهذه الساعة نفسها ليقول كل ما يثقل ضميره ..
واقترب مما يريد، وطأطأ كلامه وكأن حديث الضحى لا يزال يدور وهو يقول:
ـ اسمعي يا نعيمة ..
ـ خير ..
وتردد رمضان ثم أسلمه تردده إلى سكون راح يخلص نفسه من حرجه ويتملص منه ليقول:
ـ مش .. مش أحسن أخلص ذمتي ومن الله و ..
وحين نظرت إليه في كسل وبشائر ضحكة تكاد تهب منها لحديثه المتعثر .. استمر هو يتهته:
ـ أحسن .. أحسن .. أطلقك يا نعيمة ..
واعتدلت المرأة حتى واجهته ودبت على صدرها وقد اربدت ملامحها وبان فيها عتب كثير:
ـ يا عيب الشوم يا رمضان .. ايه الكلام ده .. دانت أبويا.
وتلقف الميدان من ساعتها رجلاً كئيباً غريباً!، لا يفك وجهه الأسمر الجاف إلا ليعقده، ولا يتكسر صمته بكلمة تائهة عابرة إلا ليعود إليه الصمت يلون سمرته، ويرتعش له شاربه الذي نماه وشوشه حتى غدا كحزمة متنافرة من عشب شيطاني.
وميدانه تحول ميدان رعب، وهو أصبح ((بعبع)) السائقين تخفق قلوبهم وهم يمرون أمامه ـ وما أقل ما يمرون ـ ويتندرون بينهم وبين أنفسهم على الجاويش الأسمر أبي شوارب. وخشونته وسلاطة لسانه، وحقده المرير على كل امرأة سولت لها نفسها أن تقود عربة أو حتى تعبر الميدان.
ثم امرأته ..
آه من امرأته! ..
لقد أضناه التفكير فيها .. وماذا كانت تفعل يا ترى حين عاد مرة إلى البيت ولم يجدها .. قالت له يومها إنها كانت عند أم حميدة .. أم حميدة .. أم حميدة الصعيدية .. وأخوها مهني .. الولد الذي يلبس السكروته المكوية التي تظهر أفخاذه ويعقص الطاقية .. ماذا كانت تفعل عند أم حميدة؟ ..
ويوم أن ضبطها تطل من الشباك بلا منديل .. بنت الكلب .. وبلا منديل! ..
وهكذا اعتاد التأخر في العودة بعد أن أدمن على باب طنطاوي وعاد مرة في شيخوخة الليل وارتدى جلبابه الأبيض وأحكم طاقيته الصوف فوق رأسه، ورش جسده المنهك المخدر فوق السرير، وأصوات اليوم تطن في أذنه .. وحديث طنطاوي ينبثق في مخيلته ثم يختفي ..
وتبين بعد أن خف الطنين وغاب طنطاوي أن امرأته لا زالت مستيقظة .. ليس هذا فقط، بل إنها تنهنه بنحيب مبتل، وكان رمضان ليلتها قد بلغ به الأمر منتهاه، ووصل إلى حافة مقاومته، فظل بكاء المرأة يتساقط على الحاجز الجامد الذي وضعه بينهما فيلعقه، والحاجز يرق، حتى لم يعد يفصله عنها إلا اللحاف. وظل ينصت لبكائها، وهو لا يملك إلا الصمت حتى انهار، وقال وكل جزء من جسده ينشج بغير دموع:
ـ بس قوليلي يا نعيمة .. أعمل ايه ..
ولم ترد، وإنما كانت تحملها شهقة وتضعها شهقة وقد انخرطت في بكاء عال ..
وهزها رمضان في حنان ذليل وعاد يسألها. وما كان ينتظر منها شيئاً وإنما ألحف في سؤالها ليغلب عجزه ويشرك إنساناً على الأقل في حل لغزه.
وبدأ البحث عما يفعله الناس، وبدأ السؤال، وفتح رمضان الكتاب، والتمس حل عقاله عند أصحاب الحل والربط، وزار أسياد البلد كلهم، وأطعمته نعيمة الحمام والمنجة من توفيرها، ومص الذي يكمن وراء سكوته.
وفي الطريق سرح رمضان بعيداً، وأوغل في الزمان والمكان، حتى وصل سكينة جارتهم في بيتهم القديم على الترعة، ثم السنوات القليلة التي أعقبت بلوغه .. وكان رمضان يتوقف عن السير، ولا يدري لماذا، ثم تجذبه ذراع طنطاوي فيمشي، ويسرح ثم يتوقف، حتى خطر له خاطر قاله في انبهار:
ـ يكونشي يا ولاد الحشيش ينفع!؟.
وانفجر ضاحكاً وقد كف عن المشي، وغمغم الطنطاوي وهو يهز رأسه في رثاء:
ـ الجدع انسطل والنبي ..
وهمّ رمضان أن ينطق، وكادت الكلمة تغادر فمه، ولكنه لحق نفسه، وابتلع الكلمة، وابتلع معها ريقه الجاف. وحين جره الطنطاوي من يده عاد حذاؤه يقرع الطريق مرة أخرى.
ـ ولم ينفع الحشيش ... أبداً.
وعاش رمضان بعد لياليها صامتاً .. لا يتحدث إلا حين يمد إنسان يده فيستخرج من جوفه كلاماً كالعصارة الفاسدة لا نكهة له ولا معنى، وإنما هو مزيج من الضجر والتبرم يعكره سخط غامق بليد، وامرأته تتكلم، وتكثر من الكلام، وهو لا يتحرك. وعمله في الميدان أصبح علقماً يشربه في بطء الساعات التي يقضيها نصف واقف، وتحيته التي طالما انتفض بها لرؤسائه في مرورهم تضاءلت ووهنت وأصبح ينتزعها من جسده كما ينتزع الناب الفاسد. وأصبح يتخبط في حبل طويل من الأكاذيب التي يقصها على الطبيب فيمنحه اليوم أو اليومين إجازة يقضيها حيث لا يقضيها.
وعمره ما عاد لبيته إلا ويده مشغولة بشيء، ولو بربطة فجل فصار يعود ويده خاوية تتأرجح بجانبه وكأنها ليست من جسده.
وفي ذات عودة، سلّم على حماته وكانت قد حضرت لتوها. وتندى جبين امرأته لبروده وعدم مبالاته، وأكلت النيران قلبها وحديثه لأمها لا يخرج عن: إزيك .. سلامات، ثم صمت طويل من صمته البارد، تعقبه سلامات أخرى حتى ضاقت الضيفة فلم تكد تلهف صلاة العشاء حتى تمددت على السرير وهي تئز بآهاتها وتشكو من مفاصلها.
ولم تمض ساعة حتى كان ممدداً بجانب ابنه وامرأته على الحصيرة تحت أقدام الفراش.
وأيقظته حماته حين عثرت به لما قامت تتوضأ قبل الفجر. وحين كانت تخطئ كعادتها وهي تقرأ الفاتحة بصوتها الخشن، كان يسأل نفسه بعدم اكتراث، ترى ما الذي جاء بها؟ ..
وكان الجواب ينتظره في المساء حين تنحنحت الحاجة بعد العشلاء وقد تربعت على الأرض وأسندت ظهرها إلى الحائط وانتهت من إحاطة نفسها ورقبتها وصدرها بالمحرمة الكبيرة البيضاء، وبدأت تقول بصوتها المبحوح:
ـ بقي يا بني ما خبيش عليك ..
والحق أنها أخفت عنه الخطاب الذي أرسلته لها ابنتها من ورائه، وإنما راحت تسوق له القصة في حنكة العجائز، وكان صمته هو الذي شجعها على أخذها دور أمه وأخته ثم ناصحته حين قالت:
ـ وكل عقدة وليها يا بني حلال .. ألف حلال ..
عقدة ماذا؟ وحلال ايه؟! وماذا جاء بك؟! ومالك أنت وما أضناك يا ابنة المركوب؟! وبدأت اللعنات التي تنهال من داخله إلى داخله تصنع بصابيص النار التي ألهبت ثورته. فحتى هذه اللحظة لم يكن قد أدخل امرأته في المسألة، ولم يعترض وجودها وشعورها ورأيها طريقه وهو يترنح في الخرابة وحده، إنه ليس وحده .. ومَن يدري كم معه الآن؟.
وشبت الثورة في حريق هائل قلب الطبلية وأطفأ المصباح وسمع الجيران طقطقة حطبها حين علا صوته في زئير مرتفع:
ـ عليَّ الطلاق ما انتي نايمة في بيتي ..
وباتت الحجة وابنتها عند الجيران وقبل الشروق كان القطار يحمل الأم وحدها إلى البلد، ولو كان للبنت مكان في دار أخيها لحملها هي الأخرى ..
كان رمضان في نفس الوقت يتسرب من الحارة وهو يتلفت حوله حتى لا يراه أحد، وحين قابله أبو سلطان وصبّح عليه غمغم بتحية قصيرة، ورأسه منكس، وأقدامه تسعى في عجلة حتى يتوارى عن الأنظار. وكذلك فعل مع عبدالرازق بائع الجرائد، والحاج محمد الفوال، وكل الوجوه التي يعرفها والتي لا يعرفها. كانت أقل حركة فيها سره، والكلمة الواحدة فيها إشارة واضحة، والضحكة فيها سخرية منصبة عليه .. وكل الناس يعرفون حتى الواقف بجانبه، المتلعق معه في عامود الترام، حين زغر له بعينه والترام يميل، كان يعرف هو الآخر.
ومضى إلى صرة الميدان كالريح وهو يتمنى أن يشف ويشف حتى لا يراه أحد.
ومن لحظتها بدأ يحس أنه واقف في الوسط كالواجهة الزجاجية يتطفل عليه كل غاد ورائح. ويحاول كل محدق وناظر أن ينكش سره الباتع. وخيل إليه وهو يحاول ضم ضفتي نفسه ليحكم إغلاقها أن الناس يضعون عيونهم وأنوفهم بين ضفتيها حتى تبقى مكشوفة مفتوحة. ودعاه فشله إلى صب جام غضبه على الناس. وقضى اليوم بطوله يدون المخالفات ويهدر بأوقح الألفاظ ويزور مركز البوليس جانيا ومجنيا عليه. وكان يومه حافلاً ..
وخويا وتاج راسي .. دانت في عيني من جوه .. هو أنا أسوي الأرض اللي بتمشي عليها .. دانا خدامتك يا حبيبي .. بقى ده كلام .. مقصوصي شاب .. وشعرك أبيض .. ونعمل زي العيال .. دا .. دا .. يصح .. يابو سيد.
ولم يسكتها إلا موجة البكاء التي أوقفت لسانها، وسحبت المنديل من فوق رأسها وضمدت به دموعها حين قامت هالعة تهبط السلم وهي تتعثر على درجاته.
وتركت وراءها رمضان يتحسس تجاعيد وجهه، ويملس على رأسه التي كادت تخلو من الشعر، ويمر بيده على بطنه المتكور ويشد شعر رجله الكث الذي ابيض أكثره، وينظر إلى ابنه سيد.
وتأمل الصبي وكأنه يراه الأول مرة منذ سنوات! ..
كان سيد يرقد أمامه وقد غطى رأسه بكراسة الحساب. وظل الرجل يلتهم الولد بعينيه ويتوه، ثم يعود إليه غير مصدق ..
لا حول ولا قوة ..
أيكون قد نسي سيد في زحمة البحث عن رجولته؟ ..
أيكون قد نسي حتى إن له ابنا؟ ..
أبو سيد ينسى سيد ولا يذكر من الدنيا إلا نفسه! ..
كيف حدث هذا؟! كيف؟ ..
سيد .. يا سيد .. تعال يا سيد .. اقعد هنا جنبي .. أيوه كده .. يا بني يا حبيبي .. باسم الله ما شاء الله .. وكبرت يا سيد .. بقيت طولي .. خليني أبوسك يا سيد .. هه .. وكان مرة .. يا بني .. أنت كنت فين .. وأنا فين .. وكبرت يا سيد .. حتبقى راجل .. وأجوزك يا سيد .. سيد .. حجوزك واحدة .. حلوة .. لأَ ... أربعة .. أربعة حلوين عشان خاطرك .. وتبقى راجلهم .. فاهم .. فاهم يعين ايه راجلهم يا سيد .. معلهش .. بكره حفتهم .. وتخلف .. سامع يا سيد حتخلف .. وأشيل خِلفتك يا سيد ... بإيدي دي .. فاهم ياسيد ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://roodyhood.ahlamontada.com/
محمد نت

محمد نت


ذكر
عدد الرسائل : 313
العمر : 37
البلد : مصر
تاريخ التسجيل : 18/10/2007

تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني   تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني I_icon_minitimeالسبت مارس 29, 2008 8:33 pm

تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني W6w20050925155939fd43e5462tb
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 3514
تاريخ التسجيل : 03/08/2007

تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني   تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني I_icon_minitimeالخميس أبريل 03, 2008 4:17 am

شكرا للمشاركة الرائعه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://roodyhood.ahlamontada.com
 
تابع - ابو سيد - يوسف ادريس - الجزء الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ابو سيد - يوسف ادريس - الحلقة الاولى
» الجزء الثاني من صور الاحلام
» علم الاساطير((الجزء الثاني))
» علم الاساطير(( الجزء الثاني))
» لعبة السمكة الجزء الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رودي هوود :: قسم القصص والروايات-
انتقل الى: